سوق ابوظبي للاوراق المالية بين القيمة التاريخية والقيمة السوقية في ظل الأزمة المالية العالمية

01/12/2010 1
رضا مسلم

إذا كانت الأزمة المالية العالمية التي هزت العالم في عام 1929 مازالت عالقة بالأذهان حتى هذه اللحظة والتي نستعيد ذكرها ونستحضرها أمام ناظرينا حينما نتحدث عن الأزمة المالية العالمية الحالية التي مازالت – حتى تاريخه – تضرب بقوه وقسوه جنبات الاقتصاد العالمي حتى يندر أن نجد دولة سلمت من أثار هذه الازمة الطاحنة التي تم الاعلان الرسمي عنها بتاريخ إفلاس البنك الامريكي الاستثمارى العملاق ليمان برذر في 18 سبتمبر 2008، كما أن هذا لا ينسينا أبداً الأزمة المالية العالمية التي إجتاحت العالم وضربت بلا هوادة الأسواق المالية بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وجنوب شرق آسيا والتي إنهارت خلالها أسعار تلك الأسواق بأكثر من 25% من قيمتها في يوم أسود أطلق عليه الاثنين الاسود (Black Monday) والذي وافق الـ التاسع عشر من أكتوبر عام 1987 ورغم أنه لايعرف حتى الآن بداية هذا الانهيار العظيم.. هل بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية أو في الأسواق الاوربية أم في أسواق اليابان وجنوب شرق آسيا إلا أنه من المؤكد الانهيار الكبير لأسواق المال العالمية والتي عكف الكتاب والشراح والمفكرين والخبراء والباحثين في رصد وتحليل الأسباب التي أدت اليه وكيفية تجنبه في المستقبل، وكان من أهم التفاسير المنطقية التي سيقت في هذا المضمار ما يلي:

• (عدم) كفاءة أسواق الاوراق المالية (كفاءة السوق). • التصحيحات العنيفة للقيم السوقية للأوراق المالية المبالغ فيها. • البيانات والمعلومات الاقتصادية المتشائمة للإقتصاد الامريكى (أنذاك). • الاجراءات التنظيمة الصارمة التي وضعها القائمون على الأسواق المالية.

وفي محاولة من تروث لإماطة اللثام فيما إذا تأثرت الأسواق المالية لدولة الامارات العربية المتحدة بالأزمة المالية العالمية ؟!. ورصد وقياس وتتبع هذه الآثار ومدى الاضرار التي لحقت بالأسواق المالية للدولة في حال وقوعها.

وسوف يكون ذلك في شكل سلسلة متصلة من الدراسات تتصدى كل منها الي أحد القطاعات التي تنتمي اليها الاسهم مقسمة حسب تصنيف كل سوق - ونقصد به كل من سوقي أبوظبي للإوراق المالية ودبي المالي- ويكون ذلك كما يلى:

أولاً: سوق أبوظبي للأوراق المالية

• قطاع البنوك والخدمات المالية من هذا القطاع الهام (ضمن تسعة قطاعات رئيسية) سوف نأخذ البنوك التالية للتعبير عن القطاع المصرفي (ستة عشر بنك وشركة) في سوق أبوظبي: - بنك أبوظبي الوطني. - بنك أبوظبي التجاري. - بنك الخليج الاول. - بنك الاتحاد الوطني. - مصرف أبوظبي الإسلامي.

ثانياً: سوق دبى المالى. قطاع البنوك من هذا القطاع – من بين تسعة قطاعات رئيسية - سوف نأخذ البنوك التالية للتعبير عن القطاع المصرفي (إثنى عشرة بنك وشركة) في سوق دبى المالى: - بنك الامارات دبى الوطني. - بنك دبى التجاري. - بنك دبي الإسلامي. - بنك المشرق. - مصرف الامارات الإسلامي.

وسوف يكون رصدنا وتحليلنا للآثار – سواء السلبية أو غيرها – للأزمة المالية العالمية علي أسواق الدولة قائم بصفة أساسية علي التطور التاريخي المقارن للقيم التاريخية – الدفترية – والقيم السوقية للمؤسسات المختارة وقياس مدى تلك الآثار.

وستغطى دراستنا خمسة سنوات ونصف وتحديداً الفترة الممتدة من 31/3/2005 وحتى 30/6/2010م معتمداً على النتائج المعلنة والمدققة في ذات التاريخ وكذلك القيم السوقية المعلنة رسمياً من قبل السوقين الماليين أبوظبي ودبى، وكما اشرنا في صدر هذه الدراسة فاننا سنبدأ بسوق ابوظبي للأوراق المالية.

أولاً : الفرضيات وأسس بناء النموذج التحليلي (Financial Model) فيمـا يلي نوضح الفرضيات والأسس التـي تم بناءً عليهـا إعداد النمـوذج التحليلي للتقـرير (Financial Model) ومن ثم استنتاج النتائج والتوصيات.

• اعتمد التقرير علي الحسابات الختامية المدققة والمنشورة لبنوك العينة والتي تعبر – من وجهه نظرنا – عن قطاع البنوك والخدمات المالية في سوق أبوظبي للأوراق المالية كما هي في نهاية كل ربع سنوي من سنوات الدراسة لاستخراج القيمة التاريخية في ذات التاريخ.

• تم اعتماد القيمة السوقية من واقع البيانات المنشورة في سوق ابوظبي للأوراق المالية في نهاية كل ربع سنوي من سنوات الدراسة.

• إعتمدت الدراسة على النتائج الربع سنوية المنشورة والمعتمدة.

• تغطى الدراسة الفترة الزمنية من 31/3/2005 وحتى 30/6/2010م

• أهم المفاهيم والمصطلحات التي استخدمت في التقرير: - القيمة التاريخية .. هي القيمة الظاهرة في الميزانية العمومية للبنك في نهاية كل ربع سنوى تحت بند حقوق الملكية. - القيمة السوقية .. هي القيمة المنشورة فى نهاية كل ربع سنوى في سوق ابوظبي للأوراق المالية . - مكرر السهم .. حاصل قسمة القيمة السوقية للسهم ÷ القيمة التاريخية له.

• حددت البنوك العينة لتعبر عن قطاع البنوك والخدمات المالية في سوق أبوظبي كما يلي: - بنك أبوظبي الوطني. - بنك أبوظبي التجاري. - بنك الخليج الاول. - بنك الاتحاد الوطني. - مصرف أبوظبي الإسلامي

• تم الاعتماد علي البيانات التالية عند إعداد الدراسة: - عدد الأسهم المصدرة لكل بنك. - مجموع حقوق الملكية تعبر عن القيمة التاريخية لأسهم البنك.

ثانياً: النتائج والمؤشرات المقارنة لقطاع البنوك والخدمات المالية العينة في سوق أبوظبي للأوراق المالية من واقع الفرضيات التي تم بناء الدراسة عليها، والتي حاولنا أن تغطي أطول فترة زمنية ممكنة - حتى ترد المؤشرات أقرب ما تكون للواقع وتعبر تعبيراً صادقاً عن الأسواق المالية لدولة الامارات العربية المتحدة – وفي محاولتنا تلك لم يتوفر لدينا بيانات ومعلومات نطمئن إليها إلا الفترة التي تغطى المدة من (31/3/2005 وحتى 30/6/2010م).

هذا من جانب ومن جانب آخر حاولنا أن نقوم  برصد وتحليل تحركات وإتجاهات كل من: - القيمة التاريخية لأسهم القطاع. - القيمة السوقية لأسهم القطاع.

ومحاولة تفسير سلوك هذه التحركات والاتجاهات، لتلك القيم - مبنية علي أن القيمة التاريخية للأسهم هى المتغير المستقل (بلغة أهل الاحصاء) والقيمة السوقية هي المتغير التابع - ووضعها أمام الباحث والدارس ومن قبلهما المستثمرين المتعاملين في السوق المالي والجهات المختصة للإستفادة من هذا المجهود المتواضع الذي نأمل أن يكون قد ساهم مساهمة حقيقة لتطوير الأسواق المالية بالدولة.

وسوف نتناول أهم النتائج والمؤشرات التي تم التوصل إليها من التحليل السابق على النحو التالي:

1) بدأت القيمة السوقية معبرة عما كان يسود في الأسواق المالية في بداية سنوات الطفرة التي بدأت بشايرها منذ مطلع العام المالي 2004م بقيادة القطاع العقاري والذى جر ورائة كافة القطاعات الاقتصادية – بدرجات متفاوتة – ولكن كان أهم القطاعات التي ساهمت (بوعى أو بدون وعى) القطاع المصرفي الذى فتح أبواب التسهيلات والقروض أمام الكافة.. وسوف يشهد التاريخ أن القطاع المصرفي ساهم وساعد علي تجميع نحو 400 مليار درهم للإكتتابات شركة دانة غاز لرأس مالها المكتتب والمدفوع البالغ قانوناً نحو 1.75 مليار درهم، وحينما كان الناتج المحلي الاجمالي للدولة لا يتجاوز 398 مليار درهم في العام المالي 2005م.

وبالرجوع إلى موضوعنا – ومسايرة لما كان يحدث إبان تلك الفترة – نجد أن القيمة السوقية لأسهم القطاع بلغت نحو 96.25 مليار درهم في نهاية الربع الاول من عام 2005 مقابل 15.67  مليار درهم في ذات التاريخ للقيم التاريخية بزيادة قدرها 80.58 مليار درهم بنسبة زيادة قدرها 514%.

2) من الرصد والتحليل لقطاع البنوك والخدمات المالية لسوق أبوظبي من واقع البنود السابقة سنجد أن القيم التاريخية لأسهم السوق تتزايد بصفة مستمرة ودائمة، وهذا أمر طبيعى وسلوك منطقى لتلك القيم ومرجع ذلك الي النمو المستمر في حقوق المساهمين وتتمثل الزيادة المستمرة في الجزء غير الموزع من الارباح، ومن هنا يلاحظ أن أصغر قيمة تاريخية ستكون هى القيمة الاولى والظاهرة بتاريخ 31/3/2005، أن أكبر قيمة ستكون الاخيرة أى بتاريخ 30/6/2010، والجدولين أدناه يوضحين تطور القيمة التاريخية حسب خمس أكبر قيم وأصغر خمس قيم.

أكبر القيم التاريخية لقطاع البنوك بسوق أبوظبي (بالمليار)

 أصغر القيم التاريخية لقطاع البنوك بسوق أبوظبي (بالمليار)

3) ظهرت القيمة التاريخية ( الدفترية ) لبنوك العينة في نهاية الربع الاول من عام 2005 بقيمة 15.7 مليار درهم وارتفعت بمقدار 68.1 مليار درهم لتصل الى 83.7 مليار درهم  في نهاية يونيو 2010 وتشكل الزيادة متوسط نمو سنوي 215% ويرجع الزيادة في القيمة التاريخية الي الزيادة في النشاط الجاري ( التشغيلي ) للقطاع البنكي بمقدار الزيادة في صافي الربح  غير الموزع.

4) بلغت القيمة السوقية لبنوك العينة في نهاية الربع الاول من عام 2005 ما يقارب 96.3 مليار درهم وانخفضت بمتوسط معدل أنخفاض ربع سنوي يعادل 1.4% لتصل الي 66.4 مليار درهم في نهاية الربع الثاني من عام 2010ويشكل الانخفاض قيمة 29.9 مليار درهم.

5) وصلت أكبر قيمة سوقية لأسهم القطاع في تاريخ 31/12/2005 حيث بلغت نحو 156.50 مليار درهم يليها في الترتيب القيمة السوقية بتاريخ  30/09/2005  نحو 140.41 مليار درهم.

والجدول والرسم البياني أدناه يوضح أكبر خمس قيم سوقية مقرونة بتاريخ مرتبة حسب القيمة من الاكبر إلى الاصغر.

أكبر القيم السوقية لقطاع البنوك بسوق أبوظبي (بالمليار)

وفي هذا الاطار سنعيد الرصد للقيم السوقية من حيث الاصغر قيمة مقرونة بتاريخ، ومرة أخرى حسب نسبة الزيادة محتسبة علي الفرق بينها وبين القيمة التاريخية

أصغر القيم السوقية لبنوك العينة بسوق أبوظبي (بالمليار)

أكبر نسبة للقيم السوقية مقارنة بالقيمة التاريخية

6) أن أهم ما يمكن رصده من واقع الارقام والبيانات الموثقة والمعتمدة والمنشورة من الجهات المسئولة بالأسواق المالية بالدولة... هو مدى تأثير الأزمة المالية العالمية المباشر والشديد على أسواقنا، ولم تعطى الفرصة للتحصن أو حتى لإلتقات الانفاس، ففاجئا تسونامى الأزمة المالية العالمية من وراء المحيط (الولايات المتحدة الأمريكية) دون أن نستطيع أن نقيم الحواجز أو المصدات لهذا الطوفان المدمر، وسوف يشهد التاريخ أن يوم 18/9/2008 وهو التاريخ الذي سمحت فيه السلطات بأمريكا بإعلان إشهار إفلاس بنك الاستثمار العملاق ليمان برذر، وهو التاريخ الرسمى (من وجهه نظرنا) للأزمة المالية العالمية، وإنهيار الأسواق المالية.

والجدير بالذكر والملاحظة والمشاهدة أن هذا التاريخ – أى 18/9/2008 – هو نفس تاريخ تأثر أسواقنا المالية أيضاً فقد إنخفضت القيمة السوقية لقطاع البنوك في سوق أبوظبي نحو 68% مقارنة بأكبر قيمة وصلت إليها القيمة السوقية وسجلت في 31/12/2005، ولمزيد من الايضاح ننظم الجدول التالي لبيان أثر الازمة المالية العالمية علي أسواق الدولة.

أثر الازمة المالية علي القيمة السوقية لبنوك العينة ( مليار درهم)

ثالثاً: التوصيــات من واقع رصد وتحليل البيانات والنتائج التي تم التوصل إليها وفقاً للفرضيات وبناء النموذج الذى إعتمدته تروث للإستشارات الاقتصادية للتوصل إلى تلك النتائج فإننا نوصى بما يلى:

- إستكمال التشريعات والتعميمات والتعليمات الرسمية لتهيئة أسواق الدولة للترقى إلى عتبة جديدة (سلم الترقى)  لتنضم إلى الأسواق الناشئة بدلاً من المستوى الحالي وهو مستوى الأسواق الأولية ويبذل هذا الجهد من قبل كل من: ♦ هيئة الأوراق المالية والسلع.

♦ سوق أبوظبي للأوراق المالية.

♦ سوق دبى المالي.

♦ مصرف الامارات المركزى.

ونقصد بذلك إدخال آليات وأدوات جديدة ممثلة في تهيئة الأجواء لعمل كل من: تاجر السوق (Dealers)  ومن ثم بذل الجهود من أجل الترق للخطوه الأخيرة وهو السماح لدخول شركات الاستثمار العملاقة(Banker) إلى أسواقنا وبذلك تستكمل منظومة الاداء المحترف والمنضبط لأسواقنا المالية.

- بذل مزيد من الجهود من قبل الهيئة والسوقين – أبوظبي ودبى – لرفع الوعى لرأس المال البشرى، الذى يعمل داخل الأسواق ونقصد برأس المال البشرى كل من:

♦ العاملين في الادارة التنفيذية في كل من الهيئة والسوقين، وذلك عن طريق:

♦ الدورات التدريبية المستمرة للوقوف علي أحدث آخر المستجدات في هذا المضمار.

♦ عقد ندوات بصفة منتظمة يحاضر فيها خبراء متخصصين في كل ما يتعلق بالأسواق المالية وتطورها وأحدث النظم المعمول بها.

♦ الدعوة لعقد مؤتمر موسع يضم جميع المتعاملين بالاسواق، سواء مستثمرين، وسطاء، ممولين... إلخ.

♦ المستثمرين، الافراد والشركات والمؤسسات.

♦ الخبراء والمستشارين والعاملين في التحليل المالي والفنى.

- إعادة هيكلة الأسواق لتعديل أوضاع العاملين بها من الوضع الحالي الذى يسيطر عليه المستثمرين الافراد واللذين يشكلون حالياً أكثر من 75% - في تقدير شركة بنك أبوظبي للوساطة السيد/ زياد دباس أن المستثمرين الأفراد يمثلون نحو 90% من المتعاملين في السوقين أبوظبي ودبى – لتصبح النسبة علي المدى المتوسط 80% لتاجر السوق والمتعهد و 20% للمستثمر الفرد حتى تصل النسبة إلى مستويات الأسواق الناشئة والمتقدمة وذلك عن طريق:

♦ تشجيع الهيئات وصناديق الادخار علي الدخول إلى السوقين وأستخدام الفوائض المالية الضخمة ليس بصفتهما مستثمرين ولكن أيضاً  بصفتهما تاجر أو حتى متعهد (Dealer – Banker).

♦ البنوك وشركات التأمين المحلية والشركات العائلية التي تتمتع بفوائض مالية غير مستغلة في القنوات الاستثمارية المناسبة.

♦ العمل على رفع مستوى التنسيق بين الأسواق المالية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وعلى مستوى الدول العربية بهدف تبادل الخبرات وتنسيق السياسات المتعلقة بتطوير تلك الاسواق حتى تصل مرحلة الاسواق الناشئة، ومن ثم الى المتقدمة.

♦ بالإضافة الى رفع مستوى كفاءة العاملين في الأسواق المالية، هناك ضرورة للعمل على رفع مستوى الوعي العام لدى المستثمرين بصفة خاصة والكافة من العامة، بقواعد ونظم وأساليب الاستثمار في الأسواق المالية وتوجيه العامة الى أن دور البورصات يتجاوز المفهوم السائد للمضاربة.. مع التركيز على دور وسائل الإعلام في ذلك.

♦ تشجيع الإصدارات الأولية ودعم الجهود الترويجية التي تصاحبها.

♦ تشجيع إصدار نشرة دورية متخصصة في أمور الأسواق المالية تتناول نشر (أخبارها، مؤشراتها، أهم التجارب العالمية، قواعد الاستثمار..الخ).