على الرغم من تحسن نتائج الكثير من الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية خلال الأشهر التسعة الأولى من 2010، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فان النظرة المستقبلية لأغلب الأسهم تبقى شبه غامضة في ظل غياب المحفزات الحقيقية للتداولات ولصلب أعمال هذه الشركات. فحسب المراقبين، هناك شبه اجماع على أن عرض شراء %46 من مجموعة زين، الذي تقدمت به شركة اتصالات الاماراتية منذ أكثر من شهر ونصف الشهر تقريبا (تحديدا في 29 سبتمبر الماضي)، شكل المحفز الأساسي، وربما الوحيد، لأغلب تداولات أكتوبر ونوفمبر. أما بالنسبة لتداولات كامل العام ولأوضاع السوق المالي بالمطلق، فيضع المراقبون سلسلة معطيات في هذا الاطار:
1- إعاقة الانتعاش لا تزال الأسهم المتعثرة والخاسرة، أو ما بات يُعرف بأسهم «العفن»، تشكل شوكة في خاصرة السوق. فهي تعيق انتعاش البورصة بشكل عام، خصوصا بعدما فقدت ثقة المستثمرين والمتعاملين، كما فقدت ثقة البنوك والدائنين. فبعد أعوام من الأرباح «المزيفة» خلال الطفرة، سقط القناع عنها، وبات المستور مكشوفا، لدرجة أن المستثمر لم يعد يبالي بالتخلي عن أسهمها حتى بالأسعار الدنيا، وبخسارة كبيرة، يقينا منه أن العودة الى العهد السابق صعبة جدا، ان لم تكن مستحيلة.
2- فقدان الثقة لا يختلف اثنان على أن شركات قطاعي الاستثمار والعقار كانت الأكثر تضررا بالأزمة. وما فتئت الغالبية العظمى من هذه الشركات تعلق جروحها دون جدوى، بعد أن طاحت الفأس بالرأس وتشوهت سمعتها وصورتها. فبعضها متعثر وبعضها الآخر شبه مفلس، وأغلبها لا يجد أموالا يعمل بها أو أعمالا ينفذها. وهذا ما انعكس بالطبع على أداء الأسهم، فأكثر من %70 من أسهم شركات الاستثمار تتداول تحت القيمة الاسمية، وحوالي %67 من أسهم شركات العقار تُصنف في الخانة نفسها.
3- البنوك القاطرة شكلت البنوك قاطرة التداولات هذا العام، بعد أن برهنت نتائجها أنها وضعت الأسوأ من الأزمة وراءها. فبعد 7 أرباع مالية جنبت خلالها المصارف «الغالي والنفيس» من مخصصات خسائر القروض، أتى الربع الثالث من 2010 ليقلب الصورة، ولو جزئيا. فثمانية من أصل 9 بنوك محلية مدرجة حققت أرباحا، بعد أن خفت ضغوط المخصصات وعبء الاحتياطيات عن كاهلها. ويبدو حسب المراقبين أن الآتي سيكون أفضل، مما جعل أسهم القطاع تُحظى بزخم كبير من حيث التداولات والارتفاعات بالأسعار، منذ بداية العام.
4- «زين» الرافدة الى جانب تحسن أداء البنوك، لعبت صفقة زين افريقيا، والأرباح القياسية التي سجلتها «زين» الأم بفضلها، دورا محوريا في تحريك تداولات مجموعة من الأسهم المنتقاة هذا العام، كما ساهمت في تنمية أرباح الكثير من المحافظ والصناديق وحتى الشركات المرتبطة بهذا الشأن. ومن دون شك، شكلت وتشكل الصفقة المحتملة لبيع %46 من زين الأم وقودا ومحفزا لعدد كبير من وحدات السوق، وفق المراقبين. ومن المتوقع أن تكون الصفقة رافدا كبيرا بالسيولة للاقتصاد بشكل عام وللبورصة بشكل خاص، نظرا لحجمها الكبير الذي يتعدى 12 مليار دولار.
5- التشغيل دائما وأبدا على عكس أسهم التعثر والعفن، استطاعت أسهم الشركات التشغيلية تسجيل أداء مقبول خلال الأشهر الماضية، نظرا لأن معظم أعمالها ونتائجها المالية تعتمد على التشغيل. فصحيح أن الكثير من هذه الشركات انزلق في فترة الطفرة إلى المضاربة والاستفادة من سوق الأسهم ليعظم أرباحه، لكن النشاط التشغيلي بقي العمود الفقري لهذه الشركات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، حظيت أسهم شركات الاتصالات ومبيعات التجزئة والسينما والأغذية والتأمين وبعض الخدمات والصناعة باهتمام جمهور المتداولين، الذين وجدوا في أوراق وميزانيات هذه السلع أعمالا تُبنى عليها التوقعات، (اقرأ «دليل الاستثمار» في عدد اليوم ص 39-38)، مما انعكس ارتفاعا في المؤشر الوزني دون المؤشر السعري منذ بداية هذا العام.
6 - فرص التنمية صحيح أن الجدال ما زال دائرا حول كيفية تمويل شركات التنمية، غير أن عددا لا بأس به من المشاريع طُرح ضمن خطة الحكومة التنموية، وقد تم ترسية العشرات من المناقصات في هذا الإطار على عدد من الشركات المدرجة. وبالطبع، استغلت الشركات المليئة والتشغيلية هذه الفرص، بفضل سجلها. فكان لبعض شركات العقار والصناعة وشركات المقاولات والتجارة حصة الأسد من هذه الأعمال. وانعكس ذلك على أداء الأسهم المعنية، التي تقبع أسعار أغلبها فوق النصف دينار.
7- عبء الديون لا تزال الديون تشكل حجر عثرة للكثير من الشركات، خصوصا الاستثمارية منها. ويعوّل المراقبون على المعايير الرقابية الثلاثة الجديدة لبنك الكويت المركزي، والتي أتت متأخرة، لعلها تنظف قليلا ميزانيات قطاع الـ100 شركة. فالبنوك عانت الأمرّين من الحجم الكبير للديون المتعثرة، وقد استقطعت من أرباح مساهميها بهدف بناء المخصصات مقابل هذه القروض الرديئة. ويشدد مراقبون على أن قضية هذه الديون لن تنته بين ليلة وضحاها، وأنها ستستغرق سنوات عدة حتى تجد الحل المناسب لها تدريجيا.
8- ورشة الإصلاح بانتظار ما ستؤول إليه صفقة زين، ترنو عيون المتداولين والمستثمرين إلى ورشة إصلاح البورصة المزمع استكمالها في الفترة المقبلة. إذ يعمل مجلس مفوضي هيئة سوق المال منذ شهرين ونيف على إعداد اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة. كما وعد مدير البورصة حامد السيف بترتيب شؤون وشجون الأسهم القابعة تحت القيمة الاسمية، فيما يُتوقع أن يؤثر نظام التداول الالكتروني الجديد، الذي تعده شركة ناسداك أو أم أكس، إيجابا في المرحلة المقبلة، خصوصا فيما يتعلق بالشفافية وإيقاف التداولات الوهمية. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل وزارة التجارة على بلورة صيغة لمعاقبة شركات مساهمة مدرجة تخلفت عن تطبيق القوانين.
وفي هذا السياق، يشير المراقبون إلى ضرورة الإسراع في عملية الإصلاح هذه، لئلا تبقى أسهم العفن عائقا أمام انتعاش السوق، خصوصا بعد أن فرزت الأزمة الصالح من الطالح، وباتت البورصة على أعتاب عصر جديد من الرقابة بفضل هيئة السوق. فهل يُعقل أن تستمر صفقة زين شبه وحيدة بين محفزات سوق يضم 228 سهما؟ وهل يُعقل أن تطغى دائما الكمية على النوعية؟