نشرت جريدة الشرق في عددها يوم الأربعاء الماضي نتائج دراسة لمصرف قطر المركزي حول اتجاهات الإقراض والمخاطر في النظام المصرفي. والدراسة عبارة عن استطلاع للمسئولين في المؤسسات المالية لمعرفة خصائص الإقراض في عامي 2009 و 2010، والتوقعات المناظرة بشأنها لعام 2011. ولأن مثل هذه الدراسات التشريحية لواقع الإقراض في الجهاز المصرفي هي على درجة كبيرة من الأهمية لفهم التغيرات التي طرأت على المجاميع المصرفية في عام 2010، وما سيطرأ عليها في عام 2011، فإنني قد عكفت على البحث عن أصل هذه الدراسة في موقع المصرف المركزي الإلكتروني، فلم أجد شيئاً، وسألت بعض الزملاء العاملين بالمصرف عنها فلم أجد لديهم معرفة بها، فعدت أطالع الموجز الذي نشرته صحيفة الشرق، لعلي أفهم مضامينه ودلالاته. وأعترف مقدماً بأن ما وجدته في الموجز لم يكن بذلك القدر الذي يشفي الغليل، ومن ثم فإن الحصيلة التي خرجت بها كانت قاصرة، مما استلزم أن استجمع كل ما لدي من معلومات تراكمت من قراءاتي للميزانية المجمعة للبنوك في الشهور الماضية، في محاولة للربط بينها وبين ما أسفرت عنه الدراسة المشار إليها، فماذا كانت النتيجة؟
- ذكرت الدراسة أن تعثر المقترضين هو الخطر الرئيسي الذي واجهته البنوك في عامي 2009 و 2010 وذلك وفقاً لما نسبته 62.5% من أراء المسئولين المُستطلعين في البنوك، في حين رأى 56.3% منهم أن هذا الخطر سيظل خطراً رئيسياً في عام 2011. والمقصود بالمقترضين هنا هم بالدرجة الأولى المطورين والمقاولين العقاريين والقروض الاستهلاكية للأفراد. الجدير بالذكر أنه حتى نهاية شهر سبتمبر الماضي كانت القروض المقدمة للعقارات قد تراجعت بنسبة 1% في تسعة شهور، في حين ارتفعت القروض الاستهلاكية بما نسبته 3.2% فقط، أما قروض المقاولين فقد زادت بنسبة 24.6% في تسعة شهور وهي نسبة معقولة على عكس ما ذهب إليه استطلاع الدراسة. وفي كل الأحوال فإن القروض المقدمة للقطاع الخاص في تسعة شهور قد زادت بنسبة 5.2% فقط وهي نسبة منخفضة إذا ما قورنت بمعدلات نمو الإقراض للقطاع الخاص في سنوات الطفرة.
- أشارت الدراسة إلى أن 62.5% ممن شملهم استطلاع الدراسة قد صنف تراجع أسعار العقارات على أنه أحد المخاطر الثلاثة الأعلى في عام 2010، ورغم أن هذه النسبة تنخفض في عام 2011 إلى 50% فقط، إلا أن ذلك يشير بوضوح إلى أن أسعار العقارات - كما يراها المصرفيون - لا زالت معرضة لمزيد من التراجع في العام القادم ربما بسبب وفرة المعروض في مواجهة الطلب المتراجع.
- أظهرت الدراسة قلة عدد البنوك المهتمة بجذب المزيد من العملاء نحو القروض الممنوحة للقطاع العائلي، وأن البنوك قد عمدت إلى تضييق عمليات الإقراض بصرف النظر عن القطاع الذي تم منح الائتمان له. وهذه النتائج تفسر إلى حد كبير تفاقم الظاهرة المقلقة التي تتمثل في زيادة أرصدة البنوك الحرة لدى مصرف قطر المركزي إلى 48.6 مليار ريال حتى نهاية سبتمبر الماضي، وإلى 55 مليار في أكتوبر. فالبنوك تفضل الإبقاء على أموالها لدى المركزي رغم أنها تخسر فيها - بالنظر إلى ارتفاع نسبة الاحتياطي الإلزامي الواجب إيداعه بدون فائدة لدى المركزي - وترى أن ذلك أفضل في الوضع الراهن من المخاطرة بإقراضها في ظل أزمة عقارية لم تصل إلى نهايتها بعد.
- أن الدراسة تعتبر الركود الاقتصادي من بين المخاطر الكلية التي تؤثر سلباً على الائتمان، حيث ذكر 43.8% من المستطلعين تخوفهم من تأثير الركود الاقتصادي على القروض المصرفية، وأن هذه المخاوف تنسحب على عام 2011 أيضاً وبنفس القدر. كما اعتبر 25% من بين المستطلعة آراؤهم بأن انخفاض أسعار النفط يشكل أحد المخاطر على الائتمان أيضاً. وقد يكون انخفاض هذه النسبة عائد إلى أن أسعار النفط قد أظهرت قدراً كبيراً من التحسن في عام 2010، وأنها باتت تزيد في الآونة الأخيرة عن 80 ريال لبرميل نفط الأوبك.
- أشار 12.5% من المستطلعين إلى أن التراجع في أسعار الأسهم قد أثر على القروض المصرفية في عام 2009 وأن النسبة قد انخفضت إلى 6.3% فقط في عام 2010، والأهم من ذلك أنه لن يكون للتغير في أسعار الأسهم - بحسب رأي المستطلعين - تأثير على القروض المصرفية في عام 2011، فهل يكون ذلك لاحتمال ارتفاع أسعار الأسهم في العام المقبل، أم بسبب عدم وجود قروض لشراء الأسهم؟
- أن بعض المخاطر الأخرى التي تتعرض لها البنوك من قبيل ارتفاع التكاليف التشغيلية وزيادة المنافسة لم تكن ذات وزن يُذكر في الدراسة.
والخلاصة أن الدراسة أظهرت بشكل واضح أنه رغم تجاوز القطاع المصرفي للآثار الناتجة عن تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2010 إلا أن التأثيرات النفسية والخوف من الانزلاق في قروض متعثرة جديدة لا يزال يهيمن على شريحة واسعة من مسئولي البنوك ويدفعهم إلى تبني سياسة إقراض متحفظة، ويتطلب ذلك تعديل تدريجي في السياسات النقدية والمالية للخروج من هذا الواقع المتأزم.
وبعد،،، فقد كان هذا ما أمكنني استخلاصه من موجز الدراسة التي نشرتها الشرق، وأرجو أن تكون هذه القراءة صحيحة ومفيدة، وأن كنت أتمنى لو أمكنني الإطلاع على الدراسة الأصلية.