التيسير الكمي والاقتصاد السعودي

20/11/2010 3
د. قصي الخنيزي

أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إجراءات التيسير الكمي الثانية، التي تضمنت إصدار 600 مليار دولار تضاف إلى القاعدة النقدية من خلال شراء سندات، أي طباعة المزيد من الدولارات وضخها في الاقتصاد الأمريكي؛ بهدف رفع مستوى الائتمان وتحفيز النمو الاقتصادي. وفي تفاصيل عمليات التيسير الكمي 2، التي أجاد في شرحها بإسهاب الزميل الدكتور محمد إبراهيم السقا على حلقتين في الأسبوعين الماضيين، فإن من أهم أهداف الاحتياطي الفيدرالي لتحفيز الائتمان للقطاع الخاص يأتي دعم معدلات الاستهلاك والاستثمار الخاص من خلال رفع تكلفة الفرصة البديلة للبنوك لتدني أسعار الفائدة طويلة الأجل. ومن شأن عملية التيسير الكمي 2 أن تؤدي إلى تراجع سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى المنافسة على فرض ثبات الظروف الأخرى، حيث إن انخفاض سعر صرف الدولار يصبّ في مصلحة الصادرات الأمريكية وتنافسيتها.

وبعد الإعلان عن عملية التيسير الكمي الأخيرة، فإن قناعة تولدت في الأسواق المالية والمؤسسات الاستثمارية والمصرفية أن القيمة الحقيقية للاستثمارات المقومة بالدولار قد تتأثر سلبا نتيجة للتراجع المتوقع لسعر صرف الدولار على المديين المتوسط والطويل. لذا، فمن الخيارات المتوقعة للمؤسسات الاستثمارية والمصرفية أن تقوم بتحويل السيولة الفائضة إلى اقتصاديات الأسواق الناشئة، وعلى رأسها الصين لكون الاقتصاديات الأوروبية ما زالت تعاني تداعيات الأزمة مع توقعات جدية بانتقالها إلى إيرلندا وإسبانيا والبرتغال، ثم إيطاليا وفرنسا بعد أن بدأت في اليونان. فهدف المؤسسات الاستثمارية رفع العائد على استثماراتها مقوما بالمخاطر الاقتصادية، التي من أهمها المخاطر السيادية التي تحيق بالاقتصاديات الواقعة في دائرة الأزمة. كما يعني توجه السيولة الاستثمارية بزخم كبير توليد فقاعة في أسعار الأصول المالية والعقارية والمنتجات الاستثمارية، التي هي متضخمة أصلا في بعض الدول الناشئة كالحال في الصين.

ولم تنتظر الصين كثيرا لتتخذ إجراءات تهدف إلى التعامل مع تبعات خطة التيسير الكمي 2، حيث أوردت وكالة رويترز في تاريخ 14/11/2010 نقلا عن صحيفة صينية رسمية تصريح مسؤول تنفيذي في البنك المركزي الصيني بأن الصين "ربما تطبق مجموعة من السياسات لإبعاد أموال المضاربة وسط مخاوف من أن تؤدي السياسات الأمريكية إلى تدفق غير مرغوب لرؤوس الأموال على الصين". ومن ضمن السياسات التي ستتخذها الصين تعديل اشتراطات الاحتياطي وإدارة مراكز بالنقد الأجنبي وعمليات سوق مفتوحة، حيث إن هذه السياسات هي ضمن مجموعة من السياسات بدأت معالمها في الوضوح بعد صدور بيان مشترك عن وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية مع إدارة النقد الأجنبي في الصين يوضح سعي السلطات الصينية للحد من الاستثمارات الأجنبية سواءً للشركات أو الأفراد في السوق العقارية؛ خوفا من فقاعة في أسعار الأصول العقارية، خصوصا بعد تسارع نمو التضخم السنوي في أسعار المستهلكين خلال تشرين الأول (أكتوبر) إلى 4.4 في المائة، كما أوردت وكالة رويترز الأسبوع الماضي. كما تنص القرارات الجديدة على أن الأفراد الأجانب والشركات لن يُسمح لها بتملك عقار لا يستخدمونه، هذا إضافة إلى القواعد المطبقة من بعض المدن الصينية التي لا تسمح للأجانب بتملك عقارات خارج أماكن إقامتهم الرئيسة. إذن، فالصين عازمة على التصدي للتداعيات المحتملة لخطة التحفيز الكمي 2 الأمريكية، التي ستدفع بالأموال الرخيصة وتبعا لآليات قوى السوق إلى البحث عن الأصول الاستثمارية في الأسواق الناشئة التي قد تحقق عائدا موزونا بالمخاطر أعلى مما قد يتحقق في الأسواق الأمريكية والأوروبية.

أما التأثير المتوقع لخطة التحفيز الكمي الأمريكية على الاقتصاد السعودي فقد يأتي من قنوات عدة، من أهمها قناتا ارتباط سعر صرف الريال بالدولار والصادرات النفطية وأسعار السلع. فمن المتوقع لسياسة التيسير الكمي الأمريكية أن تؤدي إلى خفض سعر صرف الدولار أمام العملات الرئيسة الأخرى؛ لتحسين تنافسية الصادرات الأمريكية ما يؤدي بالتالي إلى انخفاض سعر صرف الريال أمام العملات نفسها؛ نظرا إلى ارتباط الريال بسعر صرف ثابت أمام الدولار، وهنا تكون صادراتنا كالبتروكيماويات أكثر تنافسية من نظيراتها التي تصدرها الدول التي قد يرتفع سعر صرف عملتها أمام الدولار، بينما من المتوقع في الوقت نفسه ارتفاع تكلفة الاستيراد من ذات الدول؛ نظرا إلى ارتفاع أسعار الصرف ما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم إذا كان التأثير الكمي لتغيرات أسعار الصرف مؤثرا، خصوصا في حالة غياب بدائل الواردات. أما أسعار النفط والسلع الأساسية المقومة بالدولار فمن المتوقع لها أن ترتفع كنتيجة طبيعية لانخفاض قيمة عملة التقييم، وهو حالة معاكسة لانخفاض القيمة الحقيقية للاستثمارات الخارجية المقومة بالدولار كالسندات والملكيات الخارجية.

وختاما، ليس من السهل حصر التأثيرات المتوقعة في مقالة واحدة؛ نظرا لتعدد السيناريوهات التي قد تنجم عن عملية التيسير الكمي الأمريكية لكون الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم، وكونه الاقتصاد الأكثر تشعبا، ولكون نجاح عملية التيسير الكمي يعتمد على تجاوب قوى السوق والبنوك الأمريكية للسياسة المقترحة، ولكون السياسات المعاكسة التي قد تتخذها الدول الأخرى كالصين وكردة فعل لسياسة التيسير الكمي لها تأثيرات جانبية قد تؤثر على السيناريوهات المرسومة.