الدولار والعملات الخليجية

13/11/2010 4
مناف الملوحي

بـات موضوع ربط العملات الخليجية بالدولار او بسلة من العملات أمرا مثيراً وغير متفق عليه بين المحللين والكتاب، وحتى بين البنوك المركزية لدول مجلس التعاون، ويبدو ان احد اسباب انسحاب عمان من مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون يعود إلى رغبة السلطنة في الاحتفاظ بسياسة ربط الريال بالدولار في حين ان المحادثات كانت تدور عن احتمالية ربط العملة الموحدة بسلة من العملات.

ولعل من اهم الاسباب التي تدعو الى فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار والتوجه الى سلة من العملات هو ان الدول الخليجية قد تخسر بعض الشيء عند حدوث ارتفاع في قيم العملات الأخرى التي تستورد منها وخصوصا الواردات من اليورو والين الياباني. الامر الذي يؤدي الى ارتفاع في قيم بعض السلع المستوردة المقومة بغير الدولار مثل السيارات والآلات والأجهزة من أوروبا واليابان ودول أخرى حققت عملاتها الوطنية ارتفاعا مقابل الدولار الامريكي. وتؤدي هذه الظاهرة الى استيراد التضخم من الخارج الى الداخل. وتعاني اقتصاديات دول المجلس في الوقت الحاضر من ظاهرة استيراد التضخم الأمر الذي ينال من القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين.

وتعالت الاصوات المطالبة بفك الارتباط بالدولار خاصة بعد تراجع الدولار الامريكي والتوقعات باستمرارية هذا التراجع خصوصاً بعد اقرار البنك الفدرالي الامريكي لسياسة التخفيف الكمي 2 والتي يتوقع لها ان تزيد من ضعف الدولار في الفترة المقبلة.

ان توجه الكويت منفردةً لتقيم عملتها المحلية بسلة من العملات قد زاد من تلك الاصوات المطالبة بالحذو اثر الكويت وتجربتها، إلا اننا نريد ان نسلط الضوء هنا الى ان تجربة الكويت لم تكن جديدة كلياً باعتبار ان العملة الكويتية كانت مرتبطة بسلة من العملات في 2003 قبل ان يقوم البنك المركزي الكويتي باعادة ربطها مجدداً بالدولار، اي ان الجهاز المالي لديه الخبرة والتشريعات اللازمة لهذه التجربة من قبل مما يجعل فكرة الربط بسلة من العملات امراً يسيراً لها مقارنة مع دول الخليج الاخرى.

ان ربط العملات المحلية لدول الخليج بالدولار الامريكي قد قيد كثيراً من حركة البنوك المركزية في دعم الاقتصاد والاستفادة من السياسيات النقدية والمالية والتي باتت رهنناً لسياسة البنك الفدرالي الامريكي. ويعد التضخم من اشهر الامثلة هنا، حيث بدا البنك الفدرالي الامريكي بتخفيض تدريجي لاسعار الفائدة لانعاش الاقتصاد وتجنب الدخول في الكساد وقد قامت البنوك المركزية لدول الخليج على الفور بتخفيض مماثل لاسعار الفوائد في بادئ الامر لمنع حدوث اي فجوة بين اسعار الفوائد، لكن هذه الخطوة كانت في غير مكانها بالنسبة لدول الخليج الذي وصلت فيه معدلات التضخم الى ارقام كبيرة وخاصة في قطر والامارات (في 2008، وصل معدل التضخم في قطر إلى 15.2%، و12.5% في عُمان، و12.3% في الإمارات، و10.6% في الكويت)، وقد تبين لدول الخليج لاحقاً هذه النقطة ولم تقم بتخفيضات أكبر على اسعار الفوائد كما حصل في اميركا -حيث وصلت اسعار الفوائد الى الصفرتقريباً- بل ابقت على هامش قليل لمحاربة التضخم.

عندما بدأ الاقتصاد الامريكي بتخفيض اسعار الفوائد كانت معدلات التضخم مرتفعة للغاية في اميركا، إلا ان النشاط الاقتصادي قد بدا بالترنح وخاصة بعد ازمة الرهون العقارية وماتبعها من احداث، الامر الذي دفع البنك الفدرالي الامريكي لتخفيض اسعار الفوائد والتركيز على النشاط الاقتصادي بدلا من التضخم –وقد كان صائباً وقتها- وقام بتخفيض اسعار الفوائد الى القرب من الصفر وبدأ بضخ سيولة عالية في قلب النظام المصرفي لاعادة احياء النشاط الاقتصادي. ويبدو ان البنك الفدرالي الامريكي قد توقع سابقاً ان يدخل الاقتصاد في مرحلة من الكساد والتي ستؤدي الى الانكماش –عكس التضخم- الامر الذي يستدعي تثبيت اسعار الفوائد بالقرب من الصفر وضخ كميات كبيرة من الاموال في الجهاز المصرفي لانعاش االطلب وبالتالي النشاط الاقتصادي ككل.

من هنا نلاحظ ان الكساد مع ربط العملة بالدولار وتثبيت اسعار الفوائد لم يعد مرضاً للاقتصاديات الخليجية حيث تشير النتائج الى تراجع مستويات التضخم في دول الخليج على الرغم من تراجع اسعار الفوائد! ويعود الفضل في ذلك الى تراجع النشاط الاقتصادي!. وهنا نرى ان البنوك المركزية لدول الخليج قد بدات تدريجياً بالابتعاد عن قرارات البنك الفدرالي الامريكي، إلا اننا لانتوقع ان يدوم ذلك طويلاً خاصة بعد بدا الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة الامريكية.

ان الاستفادة الكبيرة التي حصلت عليها دول الخليج من ربط عملتها بالدولار الامركي هو الثبات والاستقرار في اقتصادياتها بالاضافة الى ابتعادها عن تداعيات حرب العملات التي تستعر بين الدول الكبيرة لتخفيض قيم عملتها، هذه الاستفادة قد منحت الاسواق المحلية والمستثمرين الاجانب الثقة وبالتالي ساعدت على دخول رؤوس اموال كبيرة الى المنطقة وزيادة الانتعاش الاقتصادي.

كما ان الابتعاد عن الدولار ليس الحل الامثل لهذه الدول التي تشكل مبيعاتها من النفط –المقوم بالدولار- 75% من الدخل كما ان ورادات دول الخليج المقومة بالدولار تعادل 70% من وراداتها الاجمالية، ويجب هنا تفهم موقف الكويت التي ربطت عملتها بسلة من العملات –يشكل الدولار 70-80% من حجم السلة- وهو التخفيف من الاثار التضخمية للسلع المقومة بغير الدولار والتي تعتمد اساساً على هيكلية الصادرات والوردات لكل دولة وعلاقاتها الخارجية. اي ان كل دولة لها خصوصيتها في هذا الموضوع وسلة العملات يجب ان تكون مبينة على اساس العلاقات المالية والتجارية لكل دولة، ومن هنا تبرز صعوبة ربط العملة الخليجية الموحدة بسلة من العملات يكون الدولار والين واليورو من اهم مكوناتها.

من الافكار التي تطرح ايضاً بشان ربط العملة بالدولار هو اعادة تقييم العملة بالدولار بدلاً من تعوييمها بشكل كامل، ان لهذه الفكرة مساوء ومحاسن منها ان اعادة تقييم العملة بالدولار في هذه الفترة –الدولار الضعيف- يكون برفع قيمة العملة بنسبة معينة لتعويض التراجع مقابل العملات الاخرى كاليورو والين ومن شان هذه الميكانيكية ان تخفف من التضخم المستورد من هذه البلدان إلا انها قد تشكل عائقاً اما دخول السياح –مثل الامارات- او الحجيج في موسم الحج بالنسبة للسعودية، كما ان هذه التقييم يجب ان يتغير عند ارتفاع الدولار طبقاً لحركة التجارة مع الدول الاخرى، بالاضافة الى ذلك فان اعادة التقييم تدفع المضاربين للاستفادة من هذه التذبذبات السعرية الامر الذي قد يعود بالضررعلى ثبات العملة المحلية واستقراريتها.

ان فكرة تعوييم العملة او اعادة تقييمها او حتى ربطها بسلة من العملات يجب ان يكون بشكل منظم بين الدول الخليجية لتحقيق مكاسب جماعية بعيداً عن المنافسة والمزاحمة، واتوقع ان تحقيق ذلك بتطلب اولاً الاتفاق جماعياً على تكوين العملة الخليجية الموحدة والبدء باقرارها، ثانياً ان تكون العملة الموحدة مرتبطة بالدولار مبدأياً وان يتم وبالتدريج الاتجاه الى سلة من العملات بعد مضي فترة كافية لنضوج العملة واستقرارها.