العلاقة بين التضخم والدولار وأسعار النفط في تشابك متغير دائما، لذلك لن يكفي عمود لتفكيك العلاقة، لكن لعلنا نتعرف على الواقع وربما التوجهات، رغم أن الوقود يشكل أقل من 4 % من مقياس تضخم الأسعار، فإن أهميته في الاقتصاد أعلى، لكن تأثير التضخم في أسعار النفط أكثر تعقيدا. اطلعت على تقرير صادر عن معهد أكسفورد لدراسات الطاقة يحاول وصف العلاقة من خلال النظر للسوق المالية كنظام ديناميكي حيث هناك تفاعلات تؤثر في بعض من خلال دوائر تفاعلية. تحدث العلاقات من خلال دائرتين مستقلتين لكنها ليست ثابتة، لأن هناك تزامن في التفاعلات، نقطة التقاطع بين الدائرتين أسعار النفط. في الدائرة الأولى يقود ارتفاع أسعار النفط إلى التضخم الذي بدوره يقود إلى ارتفاع نسبة الفائدة والذي يجعل الدولار أكثر جاذبية. ارتفاع الدولار يقود تباعا إلى انخفاض أسعار النفط لأن هناك علاقة عكسية بين الدولار و النفط، ارتفاع الدولار مقابل عملات مستوردي النفط يجعل الارتفاع مضاعفا وبالتالي يؤثر في الطلب سلبا. في الدائرة الأخرى انخفاض أسعار النفط يقود إلى النمو الاقتصادي للدول المستوردة للنفط، و بالتالي يسهم في رفع أسعار الأصول في المحافظ العقارية والاستثمارية وبالتالي يقود إلى رفع نسبة التضخم. إلى أن يبدأ التضخم التأثير في السياسة النقدية ونعود إلى الدائرة الأولى لتستمر العلاقة الديناميكية بدرجات مختلفة الحدة.
هذا نموذج يصف أنماط العلاقة فكريا، لكن لا يمكن أن يصور المشهد بدقة أو يمكن توظيفه عمليا للتنبؤ بالتطورات المستقبلية، لأن هناك عوامل أخرى مثل الحالة جيوسياسية المتقلبة أو إدارة المخزون من النفط أو تغيرات هيكلية وصلت أخيرا إلى مستوى التأثير المحسوس مثلما حدث مع شركات النفط الصخري في اقتصاديات تقنية الإنتاج أو تغير لاحقا في التقييم والمساءلة الاستثمارية لهذه الشركات، النموذج يساعد على فهم أنماط العلاقة ومحاولة شرح وتفسير المعلومات الآنية حول التضخم وأسعار النفط والدولار، لكن ضغط الأخبار اليومية وما تذكره وسائل الإعلام والوسط التحليلي يجعل فهم العلاقات من خلال نموذج ديناميكي تفاعلي صعب التفسير، لأن التسبيب يقود للتركيز على عوامل أخرى قد تكون مؤثرة آنيا، لكنها ليست جزءا من النموذج. ربما السؤال الأهم أين مصلحة السعودية في هذا النموذج؟.
أهمية أسعار النفط واستقرارها للسعودية لا يحتاج إلى تذكير، لكن ما يهمنا هنا نقاط عدة، الأولى أن التضخم بسبب ارتفاع أسعار النفط غالبا يفيدها أكثر من أن يضرها، الثانية أن ارتفاع التضخم يقود إلى رفع الفائدة وبالتالي فإن ارتفاع قيمة الدولار يجعل واردات السعودية أقل تكلفة لارتباط الريال بالدولار نسبيا، لأن أكثر الواردات من دول عملاتها غير الدولار.
بالتأكيد التضخم يضر الجميع لأن التضخم يطول السلع الأخرى، لكن التأثير نسبي. لذلك هناك مصلحة لها من استقرار منظومة تسعير النفط بالدولار وارتفاع الدولار، لأنه قد يعوض -ولو جزئيا- السعودية عن انخفاض نمو الدول الأخرى (ملاحظ من ضعف العلاقة في النمو بينها والكثير من الدول النامية) شرط أن يستمر النمو في الدول الكبيرة المستوردة للنفط كالصين و الهند. لذلك كما في نموذج العلاقات التفاعلية هناك نموذج علاقات خاص للسعودية، لكن أيضا قد يكون صحيحا في الجوهر، لكن هناك تفاصيل عملية أخرى أهمها إدارة الدورة الاقتصادية المالية، وممكنات الحد من التضخم داخليا، و مدى مرونة العلاقات التجارية مع الآخرين.
نقلا عن الاقتصادية