حفظ القيمة .. مبدأ تعاملات الأسواق حالياً

09/11/2010 2
محمد العنقري

من البديهي أن يفقد المال جزءاً من قيمته مع الزمن إذا ما بقي على حاله دون أي حراك استثماري بشراء الأصول، لأن معدلات التضخم وعلى مرّ العقود دائماً تُسجل ارتفاعات نتيجة ارتفاع الطلب المقرون بزيادة السكان عالمياً.. وفي الأزمة المالية العالمية كان الهاجس الأول كيف تحصل على النقد؟.. وعاشت الأسواق في بداية الأزمة مرحلة صراع الحصول على السيولة من خلال البيوع الكبيرة التي نفذها مديرو الأسواق وكبار المستثمرين.. لكن تطورات الأزمة وتداعياتها فرضت نمطاً أصيلاً في أسلوب التعامل مع الأسواق بكافة أنواعها سواء السلع أو الأسواق المالية. وإذا ما وضعنا مقاربة أكبر للمقارنة بين حجم الأزمة وحال الأسواق فإنها تعطي إضاءة أكثر وضوحاً في حقيقة المجريات التي تتم على أرض الواقع.. فحجم الكارثة الاقتصادية العالمية كبير جداً بحسب الأرقام التي أظهرت حجم الخسائر.. وكذلك حجم خطط الإنقاذ والتحفيز التي اعتمدت, إلى درجة أصبح معها رقم المليار لا يُشكل أي دهشة عند سماعه.. بل فقد البريق الذي كان يحمله عند ذكره.

ومع هذه الأوضاع انبرت كبرى المؤسسات المالية التي تُعد صانعاً للأسواق بامتياز ومعها كبار المستثمرين بالتعاطي مع هذا الواقع من خلال قراءة كل التداعيات.. وإذا كان هاجس انخفاض الأرباح أو إفلاس الشركات وضبابية وضع الاقتصاد العالمي دافعاً للهروب من الأسواق ببداية الأزمة إلا أنه تحول إلى مبدأ حفظ القيمة بعد أن شهدت العملات الرئيسة انخفاضات حادة بقيمها فقائدها الدولار الأمريكي كان له نصيب من الانخفاض فاق 30 بالمائة وتتحول اليوم الاقتصاديات الكبرى إلى نوع آخر من التحدي بينها بطريقة أصبحت مؤرقة للجميع وصفها الكثيرون بأنها حرب العملات.

فلم يكن أمام أصحاب رؤوس الأموال بمختلف طبقاتهم وشرائحهم إلا الركض بين الأسواق لحفظ القيمة بعيداً عن تداعيات انهيار العملات من خلال الاحتماء بالأصول وفق منهج مضاربي واسع النطاق.. فلو أخذنا السوق الأمريكي حيث بؤرة الأزمة نجد أنه استعاد قرابة 80 بالمائة من خسائره فأين هي انعكاسات الأزمة السلبية في ظل هذه الارتفاعات التي حدثت بتلك الأسواق ولحقها بقية الأسواق الكبرى وكذلك أسواق الدول الناشئة كالصين والبرازيل وغيرها.. فيما حلقت أسعار السلع وعلى رأسها الذهب بشكل ملفت ولم تسلم أسواق السلع الغذائية من تلك الارتفاعات مما شكَّل ضغطاً على ميزانيات الدول خصوصا الفقيرة.. بينما المعادن والنفط كلها طالها جزء كبير من الارتفاعات وبشكل حاد لا يحمل معه انعكاساً حقيقياً لصورة الاقتصاد العالمي حيث ترتفع معدلات البطالة بكبرى الاقتصاديات وعاشت مراحل ركود طويلة نسبياً.

وبالتالي فإن قراءة أسواق المال اليوم لا يجب أن ترتكز على قيمها العادلة فقط.. بل على آلية التعامل التي يتبعها كبار المستثمرين في مثل هذه الظروف ولن يفلت سوق من هذا النمط لأن الأسواق تتشابه في آليات تعاملاتها كون من يتعامل معها البشر الذين يتشابهون في هاجسي الطمع والخوف.

وفي السوق السعودي الذي يعيش مرحلة استقرار طالت كثيراً منذ بداية العام الحالي حيث يستقر فوق 6000 نقطة تبدو الصورة فيه صعبة ومعقدة وميؤوساً منها للكثيرين.. مما أدى لعزوف غالبية المتعاملين عن التعاطي معه والرضا بموقفهم الحالي.. إلا أن الحال أيضاً يجب أن لا يغفل أعين المتعاملين عن ما يحمله من إيجابيات على صعيد التقييم المالي.. وكذلك متانة الوضع المالي للاقتصاد وحجم الإنفاق الحكومي الكبير الذي ينعكس على أرباح العديد من القطاعات.. فلا يمكن القول إن السوق في مرحلة تصريف كل هذه المدة.. وإن الجمود الذي يعيشه هو لسبب عدم جاذبيته.. بل لأن طبيعة أي سوق مالي صغير محدود الخيارات من حيث طبيعة التعاملات وكذلك مقفل أمام التعامل الخارجي والتمويل فيه محدود لا بد أن يرسم هذه الصورة التي يسير فيها السوق السعودي.. لكن بداية التغيرات باتجاهاته لن تطول.. فالمرحلة الحالية تمثل نهاية عام مالي.. وتحمل معها محفزات عديدة.. ولا بد لمن استمر لعام كامل بالشراء المقنن أن يتجه لتحقيق ربح رأس مالي أيضاً يُضاف للتوزيعات النقدية.. فعمليات التدوير التي انخفضت ساهمت بحرية أكثر للمديرين كي يشتروا الكميات التي يرغبون بها دون أن يكون هناك ضغوط سعرية كبيرة من حيث قوة التذبذب إذا ما أخذناها على مدار العام.. والمرحلة القادمة لا بد أن يكون هناك تحديد واضح للاتجاه إما إيجاباً أو سلباً خصوصاً مع بداية العام القادم.. أما المرحلة القريبة فلا بد أن يكون هناك قراءة لخطوات الفيدرالي الأمريكي من حيث حجم التيسير الكمي الذي قرره عند 600 مليار دولار وأثره السريع على انخفاض قيمة الدولار.. وبالتالي مزيد من الهروب إلى الأسواق الذي ظهر مباشرة بعد القرار.. وذلك لحفظ القيمة.. ولن يكون السوق السعودي بعيداً عن هذه التأثيرات خصوصاً إذا ما أُقر دخول المستثمر الأجنبي من الخارج بوقت قريب فإن من شأن ذلك أن يرفع من حجم التعاملات بشكل كبير.. فالتنافس سيكون أكثر حدة وصعوبة خصوصاً على المستثمرين الأفراد في قراءة الاتجاهات وطرق التعامل مع السوق.. ولن تعود الأسواق إلى التركيز على أساسياتها إلا إذا استقرت الاقتصاديات الكبرى وعملاتها.. وعاد القرار لمبدأ حرية الأسواق ليحدد قيمها دون تدخلات رسمية سواء بخطط تحفيز أو تأثير على قيمة العملات بما يخدم مصالح كل دولة دون اعتبار للآثار الضارة على الاقتصاد العالمي.