نتائج الربع الثالث في السعودية (2) : "اربعة أسباب" وراء الأداء الضعيف للشركات المرتبطة بقطاع الانشاءات

26/10/2010 32
د. أحمد المزروعي

كانت نتائج الشركات المرتبطة بقطاع الانشاءات السعودي غير جيدة بشكل عام خلال الربع الثالث .. كان منتظرا ومتوقعا أن يكون الربع الثالث بطيئا بسبب عطلة الصيف وموسم رمضان والعيد لكن مع ذلك فإن النتائج المعلنة كانت أقل من التوقعات حتى مع أخذ هذه الظروف الموسمية بعين الاعتبار...

كما كان الحال في النصف الأول فإن معظم الشركات المدرجة المرتبطة بقطاع الانشاءات لازالت تعاني من تراجع إما في مبيعاتها أو هوامش الربح وفي أحسن الاحوال لا تستطيع تحقيق اي نمو ، وبالتالي لم تستطع أن تواكب الحركة النشطة لقطاع الانشاءات هذا العام..

يمكن ارجاع هذا الأداء المتواضع لأسباب داخلية وخارجية كالتالي:

الاسباب الداخلية: بالتأكيد فإن هناك تحسن في الطلب على مواد البناء وما يتعلق بها ولكن هناك في نفس الوقت ارتفاع في العرض وزيادة في الطاقات الانتاجية تفوق الزيادة في الطلب..

وكمثال على ذلك "قطاع الاسمنت" فرغم زيادة الطلب مقارنة بما كان الحال عليه قبل سنتين إلا أن الطاقات الجديدة فاقت الزيادة في الطلب ... زيادة الطاقات الانتاجية جاءت تباعا من الشركات الخمس الجديدة (المدينة والرياض ونجران والشمالية والجوف) ومن توسعات الشركات القديمة (السعودية والجنوبية مثلا) وأدى ذلك للضغط على أسعار البيع فمعدل سعر البيع للطن كان بحدود 250 – 260 ريال والان بحدود 220 – 230 ريال مع استحواذ الشركات الجديدة على معظم الزيادة في الطلب.. مثلا "اسمنت نجران" التي تعمل بطاقة كبيرة نسبيا طردت اسمنت الجنوبية من أسواق رئيسية لها في نجران وما جاورها وهذا أدى بالجنوبية لطرق اسواق المنطقة الغربية وذلك لقرب مصنعها الجديد في تهامة من منطقة مكة المكرمة وجدة وهي الأسواق الطبيعية للعربية و ينبع.. ويمكن تعميم ذلك على الشركات الجديدة في باقي المناطق ..

اسعار البيع الحالية اقتربت كثيرا من السعر الذي حددته وزارة التجارة وهو 200 ريال للطن للراغبين في التصدير و يبدو أننا متجهون لذلك السعر خلال سنة من الآن مالم تحدث زيادة كبيرة في الطلب على الاسمنت خلال عام 2011 وفي حالة قبول الشركات بالسعر المحدد ستتأثر أرباحها مجددا في عام 2011 نظرا لأن اسعار التصدير لم تعد مرتفعة كما كانت عليه الاحوال في عام 2007 و 2008 بسبب زيادة الإنتاج في العديد من دول المنطقة مقارنة بعام 2007.

ايضا يمكن ملاحظة المنافسة الداخلية على نتائج شركة "الجبس" التي لم تستفد من ارتفاع الطلب في السنتين الأخيرتين بسبب زيادة الطاقات الانتاجية من شركات أخرى جديدة ... اي ان الكعكة أصبحت أكبر ولكن عدد الذين يتقاسمونها زاد عددهم...

الاسباب الخارجية: هناك ايضا منافسة خارجية للمنتجات المحلية ولايظهر اثر هذه المنافسة في قطاعي الاسمنت والجبس لأسباب لوجستية ولكنه يؤثر على شركات أخرى مدرجة ... فبسبب تباطوء قطاع الانشاءات في الدول المجاورة للسعودية فإن المنتجين المحليين بهذه الدول وكذلك المصدرين الخارجيين الذين اعتادوا بيع منتجاتهم هناك توجهوا للأسواق التي لا تزال نشطة ومن أهمها السوق السعودي ويؤثر ذلك على هوامش الأرباح للعديد من الشركات السعودية مثل "معدنية" و "الكابلات" و "مسك" و "البابطين" ..

وهناك شركات تتعرض للمنافسة من كل الجهات داخلية وخارجية وعلى رأسها "الكابلات" و "مسك" حيث تدور حاليا رحى منافسة شديدة أودت بهوامش الربح إلى مستويات منخفضة وتحقيق خسائر للشركتين في الربع الثالث ... قامت جميع الشركات التي تعمل في صناعة الكابلات بالمنطقة بتوسعات كبيرة خلال الفترة 2006 – 2009 سواءا المدرجة في الاسواق وغير المدرجة كما تم إنشاء شركات جديدة مما أدى لفوائض كبيرة وكلهم يتنافسون على نفس الكعكة التي زاد حجمها ولكن هذه الزيادة لا تكفي لارضاء الكل وتوسعاتهم فكانت النتيجة منافسة بالأسعار وانخفاض المبيعات وبما ان معظم التوسعات كانت في السعودية وبما ان معظم الشركات في المنطقة تستهدف السوق السعودي بالتصدير فإن شركات الكابلات السعودية كانت الأكثر تضررا وإلى حد الآن لايبدو في الأفق اي بارقة أمل بتحسن الوضع في المستقبل القريب..

تباطوء أسواق التصدير: هناك شركات سعودية مدرجة تبيع جزءاَ من انتاجها خارج السعودية وهذه الشركات تأثرت أعمالها بنسب متفاوتة ويمكن كأمثلة الاشارة إلى كل من "معدنية" و "الزامل" و "اميانتيت" ، فـ "معدنية" تبيع نصف انتاجها خارج السعودية و "الزامل" حوالي 40 % و "اميانتيت" حوالي 30 % (الأرقام كلها من الذاكرة وقد لاتكون دقيقة تماما) ... نسبيا كانت "معدنية" و "الزامل" الأكثر تاثرا نظرا لأن الاثنتين بالاضافة الى تباطوء التصدير والمنافسة هناك واجهت زيادة في المنافسة الداخلية وزاد الطين بلة ارتفاع نسبي لأسعار الحديد مما صعب مهمة تمرير الزيادة في أسعار المواد الاولية للمستهلكين بسبب المنافسة.. كنت أشرت في مقال سابق قبل عدة أشهر أن "الزامل" تعد استثمارا آمنا بالرغم من انخفاض هوامش الحديد آنذاك لكن استمرار الهوامش الضعيفة لقطاع الحديد في الربع الثالث ربما يجعل من المناسب أن يكون المستثمر أكثر حذرا بخصوص الشركة مالم نشهد تحسنا في هذا الجانب..

تباطوء بعض القطاعات الفرعية: وهناك الشركات التي تعمل في قطاعات انشائية معينة مرتبطة جزئيا أو كليا بالنفط والغاز مثل "أنابيب" و "الأنابيب السعودية" و "المعجل" فهذه الشركات بدرجة أو أخرى تأثرت أعمالها بسبب تراجع حجم المشاريع في هذا القطاع .. وعلينا ان نتذكر انه خلال الأعوام 2005 – 2008 كان هناك طفرة كبيرة في أعمال الانشاءات في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط بكاملها بعد سنوات عديدة من الركود ولا يمكن مقارنة حجم الانفاق الحالي بما كان عليه الحال في فترة الـ 2005 – 2008 الذهبية..

معظم الشركات المرتبطة بقطاعات النفط والغاز تصرفت في الأعوام الماضية وكأن تلك الطفرة ستستمر للأبد من حيث التوسع وبناء مصانع جديدة لم تجد زبائن بعد تراجع الطلب من الذروة التي كان عليها قبل عدة سنوات ولذلك فهي تعاني من تراجع الطلب ومن التكاليف الاضافية التي يتطلبها تشغيل مصانعها الجديدة بطاقات انتاجية صغيرة..

ويمكن الرجوع مثلا للتوقعات المستقبلية التي قدمتها "المعجل" أثناء طرحها للإكتتاب قبل سنتين، والتي قدمتها للمؤسسات الاستثمارية (لم تنشر للجمهور ولا في نشرة الاصدار)، والتي تعكس تفاؤلا كبيرا حيث كانت الشركة تتوقع ايرادات بحدود 4.5 مليار ريال في عام 2010 وأرباح بحدود 1100 مليون ريال ... ولك أن تقارن الآن بين هذه التوقعات وبين الواقع الحالي..

كانت شركة "الأنابيب السعودية" الاكثر صمودا من بين الشركات الثلاث لكن هذا الصمود انتهى خلال الربع الثالث والتي اظهرت انها بدأت تشرب من نفس الكأس فانخفاض الطلب كان قويا ولم يشفع لها تنوع منتجاتها مقارنة بـ "أنابيب"، والمثير أيضا أنه تم تسريب نتائج الشركة مسبقا ما ادى الى هبوط السهم بـ 20 % في الاسبوعين التي سبقت النتائج مع تداولات يومية تصل إلى 10 اضعاف المعدل قبل ذلك..

حتى الشركات المرتبطة جزئيا بقطاع الانشاءات مثل "العبداللطيف" و "السريع" تاثرت بشكل وآخر بالعوامل أعلاه وخصوصا المنافسة فيما بينها والمنافسة الخارجية ..

وباختصار فإن ما يحدث لهذه الشركات لهو مثال صارخ على ما يمكن أن يحدثه زيادة العرض على الطلب في أي صناعة والتوسع في الاستثمار بناءا على فرضية استمرار وتيرة النمو بالمستويات الاستثنائية التي شهدتها المنطقة في السنوات السابقة..

عرض التفاصيل لهذه الشركات يستغرق وقتا طويلا ولكن باختصار نتائج الشركات المذكورة أعلاه كلها كانت مخيبة للربع الثالث ويبدو أنها ستكون "dead money" كما يقول الامريكان أي أنها ستظل تراوح مكانها حتى ظهور نتائج الربع الاخير أو ظهور بوادر مشجعة قبل ذلك..

أخيرا يتوجب أن اشير إلى ان 4 شركات مرتبطة بقطاع الانشاءات لم يرد ذكرها بين الشركات أعلاه وهي "الخزف" و "زجاج" و "البحر الأحمر" و "الفخارية" لأن نتائجها جاءت ضمن التوقعات تقريبا بعد الاخذ بعين الاعتبار تباطوء النشاط خلال الربع الثالث بسبب الصيف و رمضان..

سنتحدث في المقال القادم عن قطاعات وشركات أخرى باذن الله