مسيرة الاتحاد النقدي إلى أين بعد تعثر الاتحاد الجمركي؟

10/10/2010 0
بشير يوسف الكحلوت

حتى عهد قريب وبالتحديد في عامي 2007-2008 كان حُلم إقامة الاتحاد النقدي الخليجي مع مطلع عام 2010 يبدو أمراً قريب المنال، كيف لا وقد أنجزت دول المجلس في ذلك الوقت العديد من الخطوات الضرورية التي لا بد منها كي يقوم الاتحاد النقدي، وقد تم ذلك  وفق الخطط الزمنية الموضوعة من بداية العقد الحالي في قمة مسقط. وها قد مرت عدة سنوات منذ تلك الفترة وإذا بالأمل يتراجع سنة بعد أخرى بذرائع ومبررات مختلفة، فلماذا  تأخرت المسيرة وأين نقف الآن  مع نهاية عام 2010في سنة تؤرخ لعقد قادم جديد؟

بداية أذكر في إشارة عابرة إلى أن إقامة الاتحاد النقدي الخليجي قد اقتضى-كما في تجارب دولية مماثلة آخرها تجربة الاتحاد الأوروبي- إقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الأعضاء، يتبعها إقامة اتحاد جمركي، وتثبيت عملات الدول المعنية مقابل مثبت مشترك، ثم إقامة سوق مشتركة. وفي حين تم التعجيل بإقامة المنطقة الحرة في السنوات الأولى من قيام مجلس التعاون الخليجي في بداية الثمانينيات، فإن إقامة الاتحاد الجمركي قد تعثر لنحو عشرين عاماً، بسبب المناقشات الغير منتهية على قوائم السلع التي تريد كل دولة استثناءها. ولما تغيرت المعطيات المحلية والإقليمية والعالمية بدخول الألفية الجديدة، ضغط رؤساء الدول أعضاء المجلس الأعلى على وزرائهم من أجل الإسراع بإقامة الاتحاد الجمركي اعتباراً من عام 2003، ومهدوا لذلك بإقرار خطوة سهلة تمثلت في تثبيت عملات الدول الأعضاء مقابل الدولار اعتباراً من بداية عام 2002. وقد كانت خطوة التثبيت سهلة انطلاقاً من أن كل الدول كانت تثبت عملاتها فعلياً مقابل الدولار باستثناء الكويت، فكان أن أُعطيت الكويت استثناءاً لعام واحد لحق بعده الدينار الكويتي بالمثبتين اعتباراً من بداية 2003.

وقد قام الاتحاد الجمركي كما هو مقرر منذ يناير 2003-وإن تبين بعد ذلك أن مرحلة أولى من الاتحاد قد قامت فقط- وأن المرحلة الثانية ستأتي لاحقاً، بعد استكمال الاتفاق على ما تبقى من بنود وخاصة الكيفية التي سيتم بها توزيع عائدات الاتحاد الجمركي. ومقتضى ذلك أن عوائد الجمارك التي كانت تُحَصَّلَ في أي بلد من بضائع كانت تمر بأراضيها لصالح دولة أخرى كانت تُجمع وترسل بعد عام 2003 للدولة المستفيدة. وقد مرت السنوات تباعاً منذ عام 2003،  ويبدوا أن وزراء المالية والاقتصاد في الدول الأعضاء لم يتفقوا بعد على آلية توزيع العوائد الجمركية مما جعلهم يقترحون مؤخراً إعطاء أنفسهم مهلة ثلاث سنوات أضافية للوصول إلى الاتفاق المنشود في عام 2014.

ولم يكن التأخر في استكمال آليات الاتحاد الجمركي هو العقبة الأخطر في مسيرة الاتحاد النقدي بل سبقها إلى ذلك مصاعب ومشاكل أخرى تنوعت في أسبابها ومصدرها. فعندما كان معدل التضخم يرتفع بشدة إبان سنوات الفورة الاقتصادية الممتدة ما بين عامي 2005 و 2008، فإن بنك الكويت المركزي قد فاجأ الجميع في مايو 2007 بالخروج من منظومة تثبيت العملات الخليجية مقابل الدولار وعاد إلى استخدام سلة من العملات –وإن كان الدولار قد ظل أهم مكون فيها حسب ما هو مفهوم- وكان ذلك ضربة أقلقت الحالمين بقرب قيام الاتحاد النقدي الخليجي، وإن لم تقضِ على الحلم. وتبع ذلك أن قررت عُمان الانسحاب من مشروع الاتحاد النقدي منذ بداية عام 2008، ولم تتمكن لجنة الاتحاد النقدي المنبثقة عن اجتماع مجلس المحافظين من إقرار اتفاق شامل ونهائي بشأن معايير التقارب النقدي والمالي. صحيح أن هناك اتفاق بشأن ماهية تلك المعايير منذ عام 2005؛ وتحديداً معيار التضخم، ومعيار معدل الفائدة قصيرة الأجل، ومعيار حجم احتياطيات السلطة النقدية في كل بلد من العملات الصعبة، ومعيار عجز الموازنة العامة ومعيار الدين العام، إلا أن اتفاقاً بشأن كيفية قياس هذه المعايير قد تعطل حتى منتصف عام 2007، ورغم تمرير اتفاق بشأنها في مارس 2008، إلا أنه ظلت بشأن الاتفاق تحفظات من بعض الدول.

ووسط التفاؤل الذي رفع سقف التوقعات بعد قيام السوق الخليجية المشتركة في يناير عام 2008، من أن الاتحاد النقدي قادم في موعده بدون تأخير في بداية عام 2010، فإن الأمل قد بدأ في التراجع مجدداً منذ أن بدأ الاختلاف حول الدولة التي ستستضيف مقر المجلس النقدي، يأخذ مجراه في أروقة صنع القرار . وفي مايو 2009 تأكد أن  الإمارات العربية المتحدة ستكون أيضاً خارج الاتحاد، ومضت أربع دول قدماً في إقامته هي السعودية –التي استضافت المقر- والكويت وقطر والبحرين.  ومنذ ذلك التاريخ تم إنشاء المجلس النقدي الذي تشارك فيه الدول الأربع، ولكن لم تكن الشهور المتبقية من عام 2009 كافية لإقامة مؤسسات الاتحاد والانتهاء من المراحل المتبقية ومنها، استكمال إنشاء السلطة النقدية الموحدة التي ستشرف على إصدار العملة، وإقرار شكل العملة الموحدة واسمها ووزنها وسعر صرفها.  ومن هنا استقر في الأذهان أن العملة الموحدة مؤجلة لا محالة وأنها لن ترى النور في عام 2010. ورغم أن الحلم لن يتحقق في موعده، إلا أنه ظل معقوداً حتى الآن بإمكانية تحقيقه في السنوات القليلة التالية.

على أن الخبر الذي  نشرته الصحف هذا الأسبوع بوجود محاولات لتأجيل قيام الاتحاد الجمركي مدة 3 سنوات أخرى هو أمر غير إيجابي، وكأنه يضيف عقبة جديدة أمام إنشاء الاتحاد النقدي في المدى المنظور على الأقل، فهل تعمل  السلطات العليا في دول الاتحاد على إزالة أسباب الاختلاف تنفيذا لتعليمات سابقة منهم بإزالة كل العراقيل التي تعطل إنشاء هذا الاتحاد؟