سيتم في حلقة اليوم تلخيص أهم آثار انخفاض أسعار النفط في التسعينيات ضمن مراجعة تاريخية مختصرة لتطورات أسعار النفط خلال 40 سنة الماضية، التي تعد ضرورية لاستعراض النظريات المختلفة التي تشرح سلوك ''أوبك'' خلال الفترة نفسها. ويمكن للقراء مراسلتي للحصول على دراسة مفصلة لأثر انخفاض الأسعار في تلك الفترة، وهي منشورة باللغتين العربية والإنجليزية كلتيهما.
تبين في الحلقة الماضية أن عوامل عدة أسهمت في تخفيض أسعار النفط بشكل كبير عام 1998، واستمرار انخفاضها في الربع الأول من عام 1999، منها انخفاض الطلب على النفط في الدول الآسيوية بعد الأزمة المالية، الشتاء الدافئ في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية، قيام ''أوبك'' برفع سقف الإنتاج في آخر 1997، زيادة إنتاج العراق وفقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء، امتلاء مخزونات الدول المستهلكة، تغير سياسة الطاقة الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون، وتغييرات هيكلية في أسواق النفط العالمية نتيجة تطور التكنولوجيا وانخفاض تكاليف الإنتاج وزيادة التجارة الإقليمية في النفط. ونتج من هذا الانخفاض نتائج عدة أسهمت فيما بعد في رفع أسعار النفط.
أثر انخفاض الأسعار في الدول المنتجة أ ـ نضوب الاحتياطيات: بالطريقة نفسها التي أسهم بها انخفاض الأسعار في منتصف الثمانينيات في تخفيض عمر احتياطيات ''أوبك'' من 81 سنة عام 1985 إلى 72 سنة عام 1986، نتج من انخفاض الأسعار في نهاية التسعينيات انخفاض عمر احتياطيات ''أوبك'' من 74 سنة عام 1995 إلى 70.8 سنة عام 1999. وعلى الرغم من عدم أهمية ''عمر'' الاحتياطيات، إلا أنها تعبر عن مدى ''الاستنزاف'' في ظل أسعار النفط المنخفضة.
ب ـ زيادة فجوة الدخل بين الدول المنتجة والمستهلكة: في الوقت الذي عانت فيه دول ''أوبك'' انخفاض النمو الاقتصادي وانتشار البطالة في منتصف الثمانينيات وفي عام 1998، حققت الدول الصناعية أعلى زيادة في دخولها. ونظرا لأن زيادة السكان في الدول النامية أكبر منها في الدول الصناعية، فإن مشكلة تفاوت الدخول بين الدول المصدرة للنفط والدول المستهلكة له أكبر مما تظهره الأرقام. وتبين بيانات الدخل العالمية تفاوتا صارخا بين اتجاهات الدخل في الدول المنتجة للنفط والدول المستهلكة له في فترات الأسعار المنخفضة. وتوضح بيانات منظمة التعاون والتنمية أن متوسط الدخل فيها زاد باستمرار خلال فترة التسعينيات ليصل إلى 22 ألف دولار عام 2000، بينما استمر دخل الفرد السعودي في الهبوط إلى أقل من ستة آلاف دولار في العام نفسه، رغم ارتفاع أسعار النفط في ذلك العام!
جـ ـ صعوبات اقتصادية: تتمثل الصعوبات الاقتصادية في انخفاض الإيرادات، وعجز في الموازنات، وتخفيض الموازنات، وإيقاف أو تأخير المشاريع التنموية والبنية التحتية، وزيادة الديون الحكومية، وزيادة عجز موازين المدفوعات، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وتخفيض قيمة العملة المحلية، والقلاقل السياسية. لقد كان انخفاض أسعار النفط عام 1998 أخطر بكثير من انخفاض أسعار النفط في منتصف الثمانينيات. ويعود ذلك إلى أن دول ''أوبك'' قامت بتصدير كميات أكبر من النفط عام 1998 وحصلت على إيرادات أقل من 1986! فقد بلغت الإيرادات الحقيقية 109.61 مليار دولار (بدولارات 2000) التي نتجت من إنتاج قدره 18.5 مليون برميل يوميا عام 1986. أما في عام 1998، فإن إيرادات ''أوبك'' الحقيقية بلغت 99.53 مليار دولار وأنتجت 28.8 مليون برميل يوميا، بزيادة قدرها عشرة ملايين برميل يوميا!
ونتج من انخفاض أسعار النفط في عام 1998 عجز في موازنات أغلبية الدول المصدرة للنفط التي كانت تتمتع بفائض، تماما كما حصل في الثمانينيات. أما الدول التي كانت تعاني عجزا أصلا فقد زاد هذا العجز بشكل كبير. ففي عام 1998 ارتفع العجز في الموازنة السعودية إلى 12.3 مليار دولار، كما ارتفع العجز في الموازنة كنسبة من الناتج المحلي في كل الدول النفطية تقريبا. فقد مثلت هذه النسبة 3.6 في المائة في أنغولا و3.9 في المائة في أذربيجان، 5.1 في المائة في كولومبيا، 2.2 في المائة في اليمن، 1 في المائة في النرويج 6.6 في المائة في عمان، و5.3 في المائة في روسيا. أما في دول ''أوبك'' فإن هذه النسبة كانت 2.7 في المائة في إندونيسيا و5.7 في المائة في كل من إيران والكويت، و3.7 في المائة في فنزويلا.
كما أدى انخفاض أسعار النفط إلى تخفيض الموازنات وإلغاء بعض المشاريع أو تقليصها، وتأخير مشاريع أخرى، فقد قامت فنزويلا بتخفيض موازنتها ثلاث مرات عام 1998 بمقدار أربعة مليارات دولار، ثم أتبعتها بتخفيض آخر بمقدار 1.37 مليار دولار في بداية عام 1999. وقامت المكسيك بتخفيض الموازنة مرتين في عام 1998 بمقدار 1.8 و1.1 مليار دولار على التوالي. وقامت إيران بإغلاق العديد من سفاراتها حول العالم بسبب عدم تمكنها من الإنفاق على هذه السفارات. وقامت إمارة أبو ظبي بتخفيض موازنتها لدرجة أنه تم تخفيض 35 في المائة من عقود البناء. أما في السعودية، فقد أدى انخفاض أسعار النفط إلى تخفيض الإنفاق بمقدار 15.8 في المائة في عام 1999، وهو أكبر تخفيض للإنفاق في تاريخ السعودية. وأدى ذلك إلى تخفيض كل من موازنة التعليم والصحة بمقدار 6 في المائة.
أما الديون الحكومية، فقد زادت بشكل كبير مع انخفاض أسعار النفط، ففي عام 1998 قامت الحكومة الإيرانية باقتراض ثلاثة مليارات دولار من مصادر خارجية مختلفة، كما قامت الكويت باقتراض مبالغ ضخمة وصلت إلى 50 مليار دولار. كذلك اضطرت السعودية إلى الاستدانة من البنوك المحلية والخارجية لدرجة فاقت فيها الديون حجم الناتج المحلي. وزادت مديونية عمان مع هبوط أسعار النفط في آخر التسعينيات بمقدار 867 مليون دولار، وكل من إندونيسيا وفنزويلا وإيران والإكوادور بمقدار 80.296 و2.682 و1.337 و2.398 مليون دولار على التوالي.
خلاصة القول إن معاناة الدول المنتجة من انخفاض الأسعار أسهمت في تخفيض إنتاجها؛ الأمر الذي أسهم في رفع أسعار النفط فيما بعد. وسيتم في الحلقة القادمة استعراض بقية الآثار السلبية على الشركات والمستهلكين؛ لفهم أسباب ارتفاع أسعار النفط بعد سنة 2000.
شكرا على المعلومات القيمة يادكتور وشكرا لموقع ارقام على نشر هذه المقالات التي توضح لنا دورة اسعار النفط وتأثيرها على اقتصاد المملكة.