ارتفاع أسعار النفط ، تدفق الأموال الساخنة ، الطفرة العقارية، ارتفاع أسعار المواد الغذائية الرئيسية ، فتح باب الإقراض على مصراعيه ، وأسباب عديدة أخرى، ساهمت خلال الفترة ما بين عامي 2005و2008 م في رفع معدلات التضخم في منطقة الخليج إلى مستويات قياسية ، وبعد أن كنا مطلع الألفية نعتبر الأرقام المكونة من "ستة أصفار" أرقاما كبيرة، أصبحنا في عام 2008 نرى " المليار " رقم صغير ، بل وأصبح ذكر رقم "ترليون " غير مثير للإهتمام، ثم كان من الطبيعي أن نسمع برقم "كوادرليون " بنفس الوقع الذي كنا نسمع به رقم مليار أواخر القرن الماضي .
إن تحرر اللسان من عقدة لفظ الأرقام المالية الكبيرة ، واعتياد الأذن على سماع تلك الأرقام ، سهل على أعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة في الإمارات الحصول على مكافآت مالية مذهلة لم يكن أي منهم يحلم بالحصول عليها قبل تلك "الفترة الذهبية" ، والمؤسف في الأمر أن تلك المكافآت – بالرغم من ضخامتها - كانت تمر في اجتماعات الجمعيات العمومية مرور الكرام لأن هم المساهم في ذلك الوقت كان محصورا في المنح والتوزيعات النقدية التي سيحصل عليها، أما بنود الميزانية وما فيها فكان آخر اهتماماته .
حدوث الأزمة المالية العالمية ثم تداعياتها وانعكاساتها ، وانفجار الفقاعة العقارية ، وانكماش السيولة ، وتحول أرباح الشركات إلى خسائر ، وظهور فساد مالي وإداري ، وأسباب عديدة أخرى ، وضعت مكافآت مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة تحت المجهر ، وشكل ارتفاع عدد من الأصوات المنددة والمحذرة عام 2009 ضغطا على هيئة الأوراق المالية التي قامت بتذكير المعنيين بنص المادة 118 من قانون الشركات التجارية رقم 8 لعام 1984 والتي تفرض لجواز صرف مكافأة لأعضاء مجلس الإدارة، شرطين ، الأول : توزيع أرباح على المساهمين بنسبة لا تقل عن 5 % من رأس مال الشركة ، و الثاني : أن لا تزيد المكافأة الموزعة على أعضاء مجلس الإدارة عن نسبة 10 % من صافي الربح السنوي.
هز العصا من قبل هيئة الأوراق المالية ، وغموض المادة 118 بشأن تحديد "نوعية وطبيعة " الأرباح الموزعة أي هل هي نسبة من النقد أم الأسهم ؟ .. دفع بأعضاء مجالس إدارات الشركات المساهمة العامة في عام 2010 وبالتحديد في موسم التوزيعات عن السنة المالية 2009 لإتباع أساليب أقل ما يمكن القول عنها أنها خروج عن الأعراف وتحايل على القانون ، وقد ظهر ذلك جليا في اتجاهين : الأول : قيام عدد من الشركات بتوزيع أرباح نقدية تزيد عن خمسة بالمئة بالرغم من حاجتها لكل فلس نقدي موجود في صندوقها ، والثاني : لجوء عدد من الشركات إلى أسهم المنحة ، وكل ذلك لتبرير ما يرصده أعضاء مجلس الإدارة من مكافآت لأنفسهم .
شعور أعضاء مجالس إدارات الشركات بأن الطريقة السابقة في توزيع الأرباح كانت ساذجة ومكشوفة ، وزادت من حنق المساهمين ، دفعهم للمراجعة ، فتفتق ذهنهم عن ابتكار أسلوب جديد ، ظهرت إرهاصاته في عدد من القوائم المالية المعلنة عن النتائج السنوية للربعين الأول والثاني من العام الحالي والتي أفادت بظهور" سياسة استباقية" تقضي بتخصيص مكافآت ربع سنوية على أن تصرف في نهاية العام ، وبالرغم من إمكانية تعديل مثل هذه القوائم في الميزانية العمومية السنوية حال حجب التوزيعات عن المساهمين ، وبالتالي بقاء احتمال عدم منحها لأعضاء مجلس الإدارة وارد ، إلا أن الأسلوب مثير للاستغراب و يطرح ألف سؤال وعلامة استفهام .
لا أحد ينكر على أعضاء مجالس الإدارات حقهم في الحصول على مكافآت ، ولا أحد يعارض أن يحصل المجتهد من هذه المجالس على مكافآت مجزية شرط أن تكون تحت السقف القانوني والعرفي والأخلاقي ، وإلا فإن فتح باب الاجتهاد في هذا الأمر على مصراعيه قد يقود إلى تشنجات لا أحد يريدها أو يتمناها ، وإذا كان "النص القانوني" قاصر فليلتمس أعضاء هذه المجالس "العرف" فإن فشل، فليلجأوا إلى ما تفرضه "الأخلاق " ففي ذلك حكمة ورفع للشبهة .