وافق هؤلاء الأربعون الذين تقدر ثرواتهم بقرابة 400 مليار دولار بالانضمام للحملة التي أطلقها وارن بافيت وبيل جيتس والتي سميت (تعهد العطاء) حيث تقوم هذه الحملة على حث الأثرياء للقيام بمشاريع خيرية ليس فقط في أمريكا بل في كل أنحاء العالم فهم يروون أن المال يجب أن يحقق السعادة أكثر للبشر وأن من يقوم بمثل هذه الأعمال سيرى أنه أنجز كثيراً في حياته فمهما أنفق على احتياجاته ستبقى شيئاً بسيطاً أمام الثروة التي يملكها فلابد أن يقوم بأعمال كبيرة لتعميم الفائدة وتعظيمها في المجتمعات وهنا سيكون لنجاحه طعم آخر ولدينا في العالم الإسلامي الكثير من الجهات التي تحث على عمل الخير خصوصاً في أوقات معينة كشهر رمضان الكريم الذي يدخل بعد أيام قليلة وهناك من الأسر الفقيرة من ينتظر هذا الشهر حتى يحظى بمساعدات تعد قليلة لكنها بنظرهم مهمة نظراً لحالة الفقر التي يعيشونها.
وفي المملكة يوجد قرابة 600 ألف أسرة تعيش على الضمان الاجتماعي المقدم من الحكومة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية كما تقدم بعض الجهات الرسمية دعماً للأسر الفقيرة عبر مساعدتها على فتح مشاريع بسيطة ولا ننكر أن هناك مؤسسات خاصة تقوم بدور بناء لدعم الشباب عبر تقديم التدريب والمال لهم لكي يصبحوا منتجين، ولعل برنامج عبداللطيف جميل خير مثال على ذلك فقد ساندوا آلاف الشباب والشابات للانطلاق نحو عالم الإنتاج والاعتماد على النفس بحسب ما قرأته بالنسخة التي وصلتني منهم عن إنجازات البرنامج لكننا نحتاج إلى عشرات البرامج المماثلة التي تقدم نفس الفائدة والتوجه لدعم العمل الحكومي ومساندته بأوجه مختلفة تصب في مصلحة المجتمع أولاً وأخيراً فلا يمكن أن تقوم الجهات الرسمية بكل الأدوار ولابد من تضافر الجهود من خلال تحرك القطاع الخاص خصوصاً أن لدينا كيانات اقتصادية تظهر أسماء أصحابها سنويا في قائمة أثرياء العالم هذا بخلاف من لا يتم رصد ثرواتهم عبر مجلة فوربس.
والغريب أن هناك عدداً ليس بالقليل من منشآت القطاع الخاص الناجحة والقادرة على لعب دور مهم في التنمية الاجتماعية وبرامجها الخيرية رغم أنها تحظى بدعم حكومي بجوانب عدة تستفيد من خلاله بشكل كبير فهي لا تتهرب فقط من هذا الدور بل حتى تحاول تقليل حجم الزكاة التي يفترض أن تدفعها بالرغم من نسبتها البسيطة قياسا بحجم الأرباح من خلال التلاعب بالميزانيات بل وصل البعض منهم إلى التعاقد مع مكتبين متخصصين بالمحاسبة لعمل ميزانيتين واحدة تقدم للجهات الرسمية يتم إضافة الكثير من البنود لها لتقليل نسبة الربح وبالتالي حجم الزكاة المفترض دفعها بينما يكون هناك ميزانية حقيقية هي التي تبنى عليها خططهم القادمة والتي توضع فيها الأرقام الصحيحة ولا أعتقد أن الجهات المعنية لا تعلم بهذا الأمر بل لديهم من المخالفات ما هو أكبر من ذلك ويحاولون رصدها وتم إيقاع عقوبات على الكثيرين ممن كشفت طرق تلاعبهم، والسؤال يبقى: متى سنرى تعهداً بالعطاء من مختلف الأوجه لأثرياء المجتمع لدينا؟ فبخلاف الأسر المحتاجة هناك 448 ألف عاطل عن العمل من مختلف الجنسين لا يمثلون سوى 5 بالمائة من عدد الوافدين بحسب الإحصائية الأخيرة للسكان وأقل من 2 بالمائة من عدد السكان الكلي فهل يشكلون تكلفة كبيرة قياسا بحجم القطاع الخاص لدينا؟ هل التعهد بخمسة أو عشرة بالمائة يمثل عبئا عليهم رغم أن مليارديرات أمريكا تبرعوا بنصف ثرواتهم للعطاء؟ إن نسبة بسيطة توجه لدعم المجتمع كفيلة بحل معانات الكثيرين وتحويلهم إلى طاقات منتجة تعود بالنفع على الاقتصاد وسيجني من خلالها المتبرعون كثيراً من الفوائد فإذا كان للنجاح الشخصي طعم جميل يسبغ عليك السعادة فإن مساهمتك بنجاح الآخرين وإسعادهم يبقى له أثر كبير لا يمكن وصفه إلا من قبل صانعيه.
احسنت والله يعطيك العافية وكثر الله من امثالك