منذ عام 2006م وحتى الآن، لاحظ الجميع الانخفاض التدريجي في قيم تداولات السوق المالية السعودية حتى وصلت قيم التداولات حالياً إلى المستويات التي كانت عليها السوق في عام 2003م، وهي بلا شك ظاهرة سلبية أصابت المتداولين عموماً بالملل، إلا أنها في حقيقة الأمر لا تقتصر على السوق المالية السعودية فحسب، بل نستطيع القول إنها الآن تشمل جميع الأسواق المالية الإقليمية والعالمية تقريباً دون استثناء.
لتفسير هذه الظاهرة، هناك مَن يرى أن عمليات التصحيح التي شهدتها الأسواق المالية على اختلافها هي السبب في ذلك (نتيجة لإحجام المتداولين عن التداول خوفاً من تكبد المزيد من الخسائر)، وهناك مَن يرى أن تباطؤ نمو المعروض النقدي في اقتصادات معظم دول العالم هو السبب في ذلك، وهناك مَن يرى أن استنزاف السيولة من خلال عمليات التخارج في الاكتتابات العامة الأولية وإصدارات أسهم حقوق الأولوية هو السبب في ذلك، وهناك مَن يرى أن تشديد الرقابة على المضاربات من قبل الهيئات المنظمة للأسواق المالية هو السبب في ذلك، وهناك مَن يرى غير ذلك.
المهم، أن هناك مَن يرى أن الأزمات الاقتصادية العالمية (بداية من أزمة الرهون العقارية الأمريكية ومروراً بأزمة الديون السيادية الأوروبية) وتبعاتها على الأنظمة المصرفية (إفلاس كبار العملاء من الشركات والأفراد) وعلى نفسيات المتداولين حول العالم (انخفاض الثقة وزيادة القلق) هي السبب في ذلك، وفي رأيي الشخصي، أعتقد أن هذه الفرضية هي الأكثر منطقية، خصوصا في الآونة الأخيرة، وما يؤكد ذلك أنه على الرغم من النتائج المالية الأكثر من رائعة للشركات المحلية والعالمية إلا أن ردود الأفعال تجاهها لا تزال ضعيفة وخجولة، ما يدل على أن ثقة المتداولين مهزوزة، وأن القلق هو المسيطر على قراراتهم!! وعندما ننظر إلى المستقبل القريب، نجد - مع الأسف الشديد - أن الصورة لا تزال غير واضحة، وأن الغموض لا يزال هو سيد الموقف في اتجاهات معظم الأسواق المالية حول العالم، وهو ما يعني استمرار الضغط على نفسيات المتداولين، وبالتالي عدم الرغبة في أخذ المخاطر (وإن كانت قليلة). وأعتقد أنه بمجرد أن تتضح الرؤية وينجلي الغموض، عندها فقط سنرى اقتناصا للفرص الاستثمارية مع ارتفاع ملموس في قيم التداولات، لكننا حتماً لا نعلم متى سيحدث ذلك، وتبقى الإجابة في علم الغيب.