ترتيب دول العالم حسب جودة الموت

21/07/2010 3
د.محمد إبراهيم السقا

المؤشر الأكثر شيوعا للتعبير عن مستويات الرفاه في العالم وجودة العنصر البشري هو مؤشر جودة الحياة Quality of life index، حيث تستهدف كافة برامج النمو الاقتصادي في دول العالم رفع مستوى هذا المؤشر وذلك لتحسين نوعية الحياة لسكانها.

 وينظر إلى التطور في مجال القطاع الصحي على انه أحد أهم عناصر تحسين مؤشر جودة الحياة للسكان. فمما لا شك فيه أن توافر الخدمات الصحية بالجودة المناسبة يساعد في تحسين طبيعة الحياة التي يحياها الناس، ويزيد من إنتاجية العمال ويقلل من عدد أيام التغيب عن العمل.. الخ، وهو من العناصر الهامة التي يحكم من خلالها على مدى تنافسية الاقتصاد الوطني مقارنة بباقي اقتصاديات العالم.

بالطبع كلما تحسن مؤشر جودة الحياة كلما ازداد توقع العمر للشخص عند الولادة، وهو ما يفسر جزئيا فروق مستويات العمر بين المقيمين في مختلف دول العالم، ففي الوقت الذي يعيش فيه الشخص الياباني في المتوسط 82 عاما، يعيش بعض الأشخاص في موزمبيق في إفريقيا 42 عاما فقط في المتوسط، ويعيش الشخص في سوازيلان في افريقيا 39 عاما في المتوسط. السبب في هذا الاختلاف بين توقع العمر في المكانين هو طبيعة جودة الحياة التي يحياها الناس في اليابان وفي إفريقيا.

الموت إذن ليس فقط ظاهرة بيولوجية، ولكنه أيضا ظاهرة اجتماعية، أي يعتمد احتمال الوفاة المبكرة على خصائص المجتمع الذي يعيش فيه الشخص من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية... الخ. والموت حقيقة مؤكدة في حياة البشر، يقول الله سبحانه وتعالى "كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون"، ويقول أيضا "أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة"، ولكن إذا كان الموت أمر مؤكد في حياتنا فعلى أي صورة سوف يكون الموت، هذا هو محور البحث الذي أجرته الاكونوميست.

يركز المسح الذي أجرته الاكونوميست على درجة المعاناة التي يعانيها الأشخاص في كافة دول العالم عند الموت، أو عند اقتراب الموت، وذلك من خلال مقارنة مستويات الرعاية التي يتلقاها الشخص في تلك الدول قبل نهاية حياته، والتي تساعد في التخفيف من معاناته أو آلامه في هذه الفترة.

البحث الذي نشرته الاكونوميست والذي استند إلى مسح أجرته على أربعين دولة في العالم لا يتناول مؤشر جودة الحياة، ولكنه يتناول مؤشر جودة الموت، أو الاستعداد للموت، بين الأشخاص المقيمين في هذه الدول، لتنزيل نسخة من البحث اضغط على الرابط.

توصلت الاكونوميست إلى أن الأنظمة الصحية في دول العالم تختلف من حيث استعدادها لشمول أدوية قتل الألم ضمن منظومة الرعاية الصحية بها، ففي الدول الغنية نجد أن استراتيجيات الرعاية الصحية تضمن توفير أدوية قتل الألم ضمن المنظومة، على الرغم من أن هذه الدول تواجه طلبا متزايدا على الرعاية الصحية ومن ثم ترتفع ميزانياتها بصورة كبيرة مع الوقت نظرا لتزايد أعمار الناس وارتفاع نسبة السكان في سن الشيخوخة إلى إجمالي السكان بها، وهو ما يطلق عليه ظاهرة شيخوخة السكان.

أدوية قتل الألم تساعد إلى احد كبير على تخفيف معاناة كبار السن من آلام أمراض الموت، باعتبار أن التحكم في الألم مسألة في غاية الأهمية في هذه المرحلة.

الاكونوميست تلفت النظر إلى أن تخفيف الشعور بالألم لا يقتصر أثره فقط على المريض، وإنما يمتد أيضا لأحبائه وأصدقائه، ومن ثم فإن إدراج مثل هذه الأدوية في المنظومة الصحية يحسن من عملية الاستعداد للموت، أو يحسن من الصورة التي سيموت عليها الإنسان، وهو ما يحسن أيضا من مؤشر جودة الحياة بالنسبة للسكان. من الطبيعي أن مثل هذه الرعاية يقصد بها الموت الطبيعي، وليس الموت المفاجئ أو الموت الناجم عن الحوادث.

البحث الذي قامت به الاكونوميست ممول من مؤسسة خيرية في سنغافورة، اسمها Lien Foundation، كانت تهدف إلى بناء مؤشر لجودة الموت Quality of Death Index، لترتيب دول العالم حسب درجة تقديمها للعناية المناسبة لسكانها في نهاية حياتهم.

الشكل التالي يوضح ترتيب مجموعة من الأربعين دولة التي شملها البحث حسب مؤشر جودة الاستعداد للموت. لقد توصل البحث إلى أن المملكة المتحدة هي أفضل دول العالم من حيث تقديمها للرعاية الصحية التي تحسن من جودة عملية الاستعداد للموت، حيث تحتل المركز الأول بين الدول الأربعين التي تم مسحها.

هذا لا يعني طبعا أن نظام الرعاية الصحية البريطاني هو أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم، ولكنه يعني فقط، أن نظم الرعاية الصحية بالسكان في نهاية العمر هي الأفضل في هذه الدولة.

الغريب في النتائج أن بعض الدول المعروفة بأنها تمتلك نظم متقدمة للغاية في الرعاية الصحية جاءت في ترتيب متأخر مثل الدانمرك في المركز 22 وايطاليا في الترتيب 24 و فنلندا في الترتيب 28، وكوريا الجنوبية في الترتيب 32، تقع الهند في ذيل القائمة الدول الأربعين التي شملها البحث. عينة البحث لم تشمل أي دولة عربية أو إسلامية عدا ماليزيا، والتي جاءت في الترتيب الـ 33 من بين الأربعين دولة.

الخلاصة التي ينتهي إليها الشخص بها من قراءة البحث ربما تكون مادية بحتة، ذلك أن الموت ليس نهاية المطاف في حياة الانسان، بل هو بداية مرحلة أخرى من حياة الإنسان في عالم آخر، وربما يكون الموت هو بداية الألم والمعاناة الحقيقية للشخص، بدون أدوية قتل للألم هذه المرة، سوى رحمة الله سبحانه وتعالى ولطفه بعباده، ومما لا شك فيه أن أفضل استعداد للموت ليس بقتل الألم، ولكن بالأعمال الصالحات التي سيواجه بها الإنسان الله عز وجل بعد موته، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

الشكل التالي يوضح الترتيب الكامل للدول الاربعين التي شملها المسح.