لازالت عمليات البيع الصافي المستمرة من جانب المحافظ الأجنبية منذ تسعة أسابيع في بورصة قطر تضع علامة استفهام كبيرة حول أسبابها ونتائجها على أسعار الأسهم وتحركات المؤشر، خاصة بعد أن وصلنا في الأسبوع الأخير إلى مرحلة أصبحت فيها كل الفئات؛ أي الأفراد القطريين وغير القطريين والمحافظ غير القطرية، في موقف البائع الصافي للأسهم في مواجهة المحافظ القطرية.
ولقد بحثت عن مدى وجود هذه الظاهرة في بعض أسواق دول مجلس التعاون وخاصة سوقي السعودية ودبي وهما الأكثر تأثيراً في البورصة القطرية من غيرهما فوجدت الأمر مختلفاً بدرجة تستحق التأمل:
ففي السوق السعودي تبين أن الأفراد السعوديين هم الفئة التي درجت على البيع الصافي المتواصل بدون انقطاع في العشرين شهراً الأخيرة لتصل مجمل مبيعاتهم الصافية في الشهور الخمسة الأولى من العام 2010 إلى 19 مليار ريال سعودي، مقابل مشتريات صافية من جانب الشركات السعودية بقيمة 16 مليار ريال. وكانت المفاجأة أن الأجانب غير المقيمين في السعودية-أغلبها شركات ومحافظ- قد درجوا على الشراء الصافي من سوق الأسهم السعودي منذ بداية العام-خمسة شهور- بما قيمته 1820 مليون ريال.
وفي سوق دبي المالي كان الأمر مختلفاً عن السعودية وعن قطر، حيث أن أداء الأجانب في مجملهم-أفراداً ومحافظ- قد اختلف ما بين يوم وآخر، فهم تارة في وضع شراء صافٍ ، وتارة أخرى في وضع بيع صافٍ، وهلم جرا يتكرر الأمر بما يوحي بعدم وجود ظاهرة للشراء أو البيع الصافي بشكل متعمد ومتواصل. أي أن المستثمرين الأجانب يتحركون مع اتجاهات السوق بيعاً وشراءً دون أن يكون لتحركاتهم اتجاهاً بعينه على مدى فترة من الزمن.
أما المحافظ الأجنبية في قطر فقد باعت (صافي) وبشكل متواصل في الأسابيع التسعة السابقة بما يزيد عن 900 مليون ريال، مع العلم بأن مشتريات الأفراد غير القطريين الصافية في هذة الفترة قد لا تزيد في مجملها عن مائة مليون ريال،،، أي أن صافي مبيعات الأجانب زادت عن 800 مليون ريال.
هذه المقارنة المُلفتة للانتباه بين الأسواق الثلاث تطرح أسئلة مهمة تحتاج إلى إجابات ومنها:
هل لمشتريات الأجانب أو مبيعاتهم الصافية علاقة بمستويات أسعار الأسهم في كل سوق، بحيث يمكن القول إن الأجانب باتوا على قناعة بأن مستوى 6100 نقطة التي وصلها المؤشر السعودي منذ بداية العام –مقارنة بأكثر من 20 ألف نقطة في بداية عام 2006- تمثل القاع، ومن ثم فإن المستويات الراهنة للأسعار تبدو مناسبة للشراء الصافي لا البيع على أمل أن يعود المؤشر إلى مستواه السابق عندما تتحسن الظروف؟ مع ملاحظة ضخامة الفجوة التي انخفضها المؤشر والتي تزيد عن 14000 نقطة، وأن المؤشر قد انخفض في بداية 2009 إلى قرابة 4000 نقطة لفترة وجيزة.
وفي الوقت ذاته فإن الأمر في سوق دبي المالي يبدو مختلفاً إذ على الرغم من أن المؤشر عند مستوى 1500 نقطة يُعتبر الأدنى له في 6 سنوات، مقارنة بقمتين وصل لهما المؤشر: الأولى في نهاية عام 2006 عندما وصل إلى قرابة 8500 نقطة، والثانية في بداية عام 2008 عندما تجاوز 6000 نقطة، وذلك يوحي بأنه لولا الأزمة المالية التي مرت بها دبي بسبب ديون الشركة العقارية، لعاد المؤشر إلى الارتفاع بعد أن صمد لعام ونصف فوق مستوى 1500 نقطة، وذلك يفسر عدم وجود اتجاه واضح لعمليات الأجانب في سوق دبي حيث أنهم غير متأكدين من استمرار صمود المؤشر فوق 1500 نقطة، ولكنهم في المقابل يعرفون أن هذا المستوى مناسب لعمليات شراء قصيرة الأجل على الأقل فيشترون ويبيعون يوماً بعد آخر.
وبهذا المنطق في التحليل أو التفكير يكون من المسوغ التساؤل عما إذا كان استمرار البيع الصافي من جانب المحافظ الأجنبية في بورصة قطر على مدى تسعة أسابيع هو انعكاس لفكرة-لديها-مفادها أن المؤشر والأسعار لم تصل بعد إلى القاع، وأنها مرشحة إلى مزيد من الإنخفاض قبل أن تعود للارتفاع من جديد؟؟
وبالتالي هل تضغط هذه المحافظ على الأسعار لتنخفض إلى المستوى الذي تخطط له قبل أن تتوقف عن عمليات البيع وتعود إلى الشراء الصافي؟؟
وإذا سلمنا بأن المحافظ الأجنبية تعمل لتحقيق أرباح وتفادي حدوث خسائر، فإن الضغط على الأسعار كي تنخفض يتعارض مع مصالحها، ويترتب عليه حدوث خسائر فيما تبقى لها من استثمارات قائمة – وهي لا تزال كبيرة وتزيد عن عشرين مليار ريال- وذلك قد يقودنا إلى القول بأن بعض المحافظ الأجنبية وليس كلها له مصلحة في استمرار البيع؛ إما لأنه مضطر لذلك تحت ظروف قاهرة والتزامات ناشئة، أو أن انخفاض الأسعار هنا يحقق لها مصلحة في استثمارت أخرى مرتبطة بها، وهو ما يُطلق عليه سوق الخيار أو الأوبشن، وذلك مجرد تخمين نظري لا يقوم عليه دليل رغم أنه قد يفسر هذه الظاهرة العجيبة في استمرار بيع المحافظ الأجنبية بدون توقف لمدة تسعة أسابيع،،، والله أعلم