خيارات البنك السعودي الهولندي

22/05/2010 1
د. قصي الخنيزي

بعد قيام تحالف يتكون من ''بانكو سانتندر'' الإسباني و''فورتيس'' البلجيكي وبقيادة ''رويال بنك أوف سكوتلاند'' البريطاني بشراء بنك ''إيه. بي. إن آمرو'' الهولندي في 2007، آلت حصة الأخير في البنك السعودي الهولندي التي تبلغ 40 في المائة إلى تحالف البنوك بقيادة رويال بنك أوف سكوتلاند. ومن الواضح أن هدف التحالف حينئذ في التوسع عالمياً والاستفادة من تقليل التكاليف واختراق الأسواق لتعظيم العائد كانت مقيسة بمعايير تلك الفترة وما سبقها، أي قبل بدء مؤشرات الأزمة المالية العالمية التي أشعل شرارتها الأولى إعلان بنك ''إتش إس بي سي'' البريطاني عن خسائر كبيرة في محفظة القروض العقارية الأمريكية في صيف 2007. وبعد تضخم كرة الثلج جراء الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها التي طالت معظم بلدان العالم بدرجات متفاوتة، انتهى الأمر إلى أن تواجه البنوك العالمية مخاطر جمة قد ينتج عنها انهيارات نظامية في الأنظمة المصرفية للدول المتأثرة بالأزمة العالمية، ما دفع الحكومات الغربية إلى الدفع بحزم إنقاذ غير مسبوقة وباتخاذ إجراءات غير تقليدية كانت كطوق النجاة لعدد كبير من المؤسسات المالية والبنوك التي تشكل عصب الاقتصاد في أي دولة, علماً بأن الوفورات النفطية في دول الخليج مكنتها من القيام بدور المنقذ لعدد من كبار المؤسسات المصرفية العالمية. لذا، سارعت بريطانيا إلى توفير حزمة الإنقاذ إلى رويال بنك أوف سكوتلاند لتتملك من خلالها نحو 85 في المائة من البنك. وكحال أي حزمة إنقاذ أو تدخل حكومي أو سيادي مثل حزم الإنقاذ التي قد يوفرها صندوق النقد الدولي، لا بد من شروط وخطط مسبقة لتغيير حال المدين أو الجهة المستثمر بها التي يتم إنقاذها لرفع احتمال تسديد المطلوبات أو تحقيق العائد المنشود من خلال تقليل التكاليف والتركيز على مناطق العوائد المرتفعة والمخاطر الائتمانية الأقل.

ويبدو من الأنباء الواردة أخيرا أن إحدى استراتيجيات ''رويال بنك أوف سكوتلاند'' التي أعلن عنها العام الماضي تقليص التوسع الخارجي في بعض المناطق العالمية ومنها دول الخليج، حيث ورد تبعاً لـ ''رويترز'' في يوم الخميس السادس من أيار (مايو) الماضي تأكيد بنك أبو ظبي التجاري إجراء محادثات وتفاوض لشراء وحدات مصرفية الأفراد وإدارة الثروات وشبكات الصرف الآلي العائدة لـ ''رويال بنك أوف سكوتلاند'' في الإمارات. وتبع هذه الأنباء تصريح المهندس المعروف مبارك الخفرة رئيس مجلس إدارة البنك السعودي الهولندي في 18 أيار (مايو) 2010، بأن الحصة الأجنبية المملوكة لتحالف مؤسسات أجنبية بقيادة بنك ''رويال بنك أوف سكوتلاند'' يمكن بيعها من خلال طرحها في اكتتاب عام، أو من خلال التوصل إلى اتفاق مع شريك استراتيجي عالمي. بمعنى آخر، يسعى البنك السعودي الهولندي إلى تحويل حصة التحالف البالغة نحو 40 في المائة إلى شريك أجنبي أو أن يطرح تلك الحصة في اكتتاب عام متاح للمواطنين، وليس إلى أحد المتنافسين المحليين.

حقيقة، إن تصريح المهندس الخفرة مهم جداً من ناحية صراحته، وضوحه، وتناغمه مع رؤية أعضاء مجلس الإدارة الذين نجحوا في فرض شروط عالية النوعية في التعامل مع المستثمر الاستراتجي، وخصوصاً عند انتقال الملكية في 2007 من البنك الهولندي ''إيه بن أمرو'' إلى التحالف. فانتقال الملكية التي آلت إلى رويال بنك أوف سكوتلاند ورفاقه إلى شريك استراتيجي يتمتع بتقنية عالية ومعرفة مصرفية سيوفر الكثير من ناحية التعامل التقني المصرفي وتخفيض تكاليف التعاملات العابرة للحدود في الدول التي يوجد فيها الشريك الأجنبي. أما حين يتم طرح الملكية الأجنبية المقدرة بنحو 40 في المائة في اكتتاب عام، فسيؤدي إلى تحول البنك السعودي الهولندي إلى بنك سعودي 100 في المائة.

بصراحة، ومن قناعة شخصية، لا أعتقد أن الملكية الأجنبية ممثلة بشريك استراتيجي كبنك أجنبي تتفوق على خيار الطرح العام، لأن القيمة المضافة ليست ذات أهمية، ولأن هناك أمثلة قائمة في القطاع المصرفي تثبت القدرة الوطنية على إدارة التغيير والتطوير، والتنافس والتفوق أيضاً. فحسبنا ''سامبا'' وقدرته على التأقلم حين قرر الشريك الأجنبي ممثلاً بـ ''سيتي بنك'' الخروج منه عام 2003، حين تمكنت مجموعة سامبا المالية من الحفاظ على التفوق دون وجود الشريك الأجنبي، ولو باستقطاب الكفاءات المهمة من ''سيتي بنك'' نفسه، بل وبتحقيق نقلات نوعية في قطاع التقنية البنكية كخدمات الشركات الإلكترونية التي تفوقت على عدد من المنافسين المستندين إلى شركائهم الاستراتيجيين الأجانب ودون البحث عن شريك أجنبي.

وختاماً، إن معادلة البنوك والخدمات المصرفية لا تستند إلا إلى مزيج بين القدرات والإمكانات البشرية والتقنية البنكية. وكلا المزيجين متوافر في سوق العمل العالمية والمحلية أيضاً وسوق التقنية البنكية مع القدرة على نقل المعرفة للكفاءات والسعوديين، دون أدنى ضير ودون أي تشوهات في القوائم المالية وأهداف حملة الأسهم. لذلك، لماذا لا يتم توفير التكاليف المستقبلية المرتبطة بخيارات محددة للتقنية البنكية وبعض المهمات الإدارية التي قد يقتضيها التحالف مع مستثمر أجنبي بالاعتماد على كفاءاتنا المحلية واستقطاب الخبرات الأجنبية ضمن برنامج واضح لنقل المعرفة إلى كفاءاتنا السعودية نساء ورجالا؟ هذا هو السؤال؟