كلمة مضاربة (في الأسهم والعملات) طغت على الأحاديث اليومية بشكل كبير؛ لدرجة أنها استبدلت المعنى الأصيل والعريق للمضاربة، والذي يُقصد به تبادل وجهات النظر عن طريق التفاهم بالأيدي والسواطير!!
وعلى الرغم من صعوبة إيجاد تعريف موحد لكلمة مضارب؛ إلا أن أحد أشمل التعريفات التي اطلعت عليها هو "الشخص الذي يبحث عن أرباح استثنائية عن طريق التعرض لمزيد من المخاطر".
والمشاهد للساحة الاقتصادية في العالم وما يحدث بين حكومات العالم والأزمة المالية يشهد أشبه ما يكون بمباراة ملاكمة أو مضاربة (بمعناها التقليدي الأصيل المذكور أعلاه). فهناك المتشائمون الذين يراهنون على انهيارات أخرى تفوق حدتها انهيار 2009، ويرون أن خطط التحفيز هي تأخير للمشكلة وليس حلا لها؛ وأن التاخير سيفاقم المشكلة. ويرون أن ترك الدول تنهار هو طبيعة دورة الحياة؛ لأنها تخلق مزيدا من المنافسة والتي تخلق مزيدا من الاكتشافات ومزيدا من التطور، ولذلك يراهن بعضهم ويضارب على انهيار قادم.
ولعل أحد أشهر أمثلة المضاربين الذي نجحوا في تكوين ثروة ضخمة هو جورج سوروس، وهو يهودي هنغاري الأصل انتقل إلى لندن ومن ثم إلى نيويورك؛ وصنع ثروة ضخمة عن طريق المضاربة في العملات وقصته جديرة بالذكر.
فقبل إصدار اليورو اتفقت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا على ربط عملاتها بحيث يراوح معدل صرفها في نطاق ضيق جدا. لم تكن اقتصادات تلك الدول متشابهة؛ فبريطانيا كانت تدخل في كساد مع تضخم عالٍ، وألمانيا كانت تنعم بنمو قوي، خصوصا مع اندماج الألمانيتين وانهيار جدار برلين. ولذلك ازداد الطلب على الفرنك الألماني على حساب الجنيه الاسترليني. قام البنك المركزي في إنجلترا بشراء الجنيه بشكل كبير جدا للحفاظ على النطاق المتفق عليه لصرف العملة. كان جورج سوروس يراقب الوضع ويعلم أنه لا يمكن أن يستمر البنك المركزي بشراء الجنيه؛ وأنه سيستسلم في لحظة من اللحظات. ولذا قام ببيع مليارات الجنيهات على المكشوف قُدرت بحدود 15 مليارا. وفي 16 أيلول (سبتمبر) 1992 توقف البنك الإنجليزي عن شراء الجنيه، فانهار وخرج من النطاق الضيق المرسوم له، وربح جورج سوروس قرابة المليار دولار، في صفقة تعد من أنجح الصفقات في العالم.
اليوم يراهن البعض على أن الحكومات ستعلن استسلامها للأزمة المالية وترفع رايتها البيضاء. في نظري - والعلم عند الله - أن هذا الكلام غير صحيح، وأن الدول نجحت بشكل كبير في تخفيف وطأة الأزمة، وأن الأسوأ مرّ ولن نراه مرة أخرى. ولكن أيضا أرى أن النمو سيكون بطيئا؛ وأن الأسواق تعافت بشكل أسرع مما يجب، وأنها عكست نمو السنوات القادمة، ولذا فلا أظن أن الأسواق ستشهد كثيرا من النمو مستقبلا، لكنها ربما تشهد كثيرا من التذبذب؛ وستشهد مزيدا من اللكمات القوية لكل طرف، ولكن الأسواق ستنهي عام 2010 بمستويات ليست بعيدة عن مستوياتها الحالية. هذا رأيي، فما رأيك أخي القارئ؟
رايي ان سوق المال فوق الجميع.. والتنبؤ به غاية في الصعوبة .. ويظل رايك محل التقدير والاحترام وانا اميل اليه.. والله اعلم