(دولار.. يورو.. يوان) من سيبقى؟

08/05/2010 1
محمد العنقري

المشهد الأوروبي بعد تفاعلات مشاكل اليونان لا يبدو أن قراءته تأتي من أوجه تداعيات الأزمة المالية العالمية أو حتى أخطاء أو تضليل حصل عند انضمام اليونان لمنطقة اليورو؛ فالحديث اليوم عن مشاكل قد تواجهها اسبانيا أو البرتغال وحتى ايطاليا يفرض رؤية المسرح الأوروبي من زاوية أخرى.

فدول اليورو تنافس في حجم اقتصادها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا، فإن منافسة اليورو للدولار كانت محسومة من حيث القدرة على فرض العملة الأوروبية نفسها في الساحة الدولية كعملة احتياط بجانب الدولار مع احتمالية احتلالها لموقع الصدارة خلال عقود قليلة قادمة مما يعني فعليا افول نجم أمريكا كأكبر اقتصاد بالعالم، بل ودخولها بإشكاليات كبيرة مع فارق التقويم بين العملتين حيث تثقل الديون كاهل أمريكا بشكل كبير ولا يبدو أن هناك حلا سحريا لتراجعها.

وإذا كانت الأزمة المالية التي انطلقت شرارتها من الضفاف الغربية للمحيط الأطلسي تعطي انطباعا بأن الطمع أعمى عيون الجميع هناك، وبالتالي وقعوا في فخ الأزمة؛ إلا أن ما تعيشه أوروبا اليوم قد يفوق حجم آثاره عليها ما تواجهه أمريكا، وبالتالي، فإن نتائج الأزمة وتداعياتها لابد ان ترصد بشكل أكثر تفصيلا من حيث الآثار البعيدة على تركيبة الاقتصاد العالمي.

فاليوم يواجه اليورو خطرا كبيرا جدا فالعملة الفتية للقارة العجوز قد لا يبقى لديها من آمال سوى البقاء بأي شكل كان ونسيان المنافسة التي حلم بها من كافحوا سنوات طويلة لظهورها؛ فألمانيا الدولة الكبرى في منطقة اليورو فقدت مركزها كأول دولة مصدرة بالعالم لصالح الصين وايطاليا أحد اكبر دول العالم اقتصاديا مثقلة بديون تصل إلى ترليوني دولار، واسبانيا تقارب ديونها 800 مليار؛ فإذا ما دعت الحاجة لمساعدتهم من أين سيأتي الدعم؟ وكم سيصل في أقصى حدوده؟ ونحن نتكلم عن أرقام تحملها دولتان تعادل ثلث الناتج القومي الأوروبي لمنطقة اليورو.

فأوربا ما زالت تعتمد على حجم تبادلها التجاري مع أمريكا، وبتراجع مستمر لاقتصاد الأخيرة فإن الآثار ستتضاعف خصوصا على ألمانيا التي يشكل حجم تبادلها التجاري مع أمريكا قرابة350 مليار دولار أي 10% من حجم ناتجها القومي، وبالتالي فإن الضربة القاصمة القادمة هي ارتفاع معدلات البطالة في أوروبا عن ما هي عليه الآن لتزيد الأعباء على الإعانات الحكومية وتنخفض أحجام الإنتاجية بشكل عام والدخول بسياسات تقشفية للكثير من دول أوروبا، وبالتالي، فإن اليورو سيتأثر بعدة أزمات.

والنتيجة النهائية انه سيفقد الكثير من قوته إذا ما بقي أصلا بشكله وإطاره الحالي من حيث عدد الدول التي تمثله ويمكن القول إن الأزمة المالية العالمية تظهر أولى التحولات المستقبلية بأن اليورو خارج المنافسة للدولار وما ارتفاع اليورو أمامه سابقا إلا كان بداية الإضعاف الحقيقي له واليوم تتضح الآثار بتهاويه بشكل متسارع دون أن يكون هناك بوادر لأي دعم يوقفه عن ذلك.

أما التطلعات المستقبلية لتركيبة الآثار المتوقعة فيجب من الآن رصدها عند أطراف الشرق الأقصى وتحديدا الصين فهي تحاول كبح التضخم عبر سياسات نقدية متشددة برفع أسعار الفائدة ولكن الخطر يأتي من أنها الدولة الأولى تصديريا بالعالم وأي تراجع بحجم التجارة الدولية يعني إقفال العديد من مصانعها لأبوابها لأنها لم تصل إلى الآن لمرحلة يؤثر فيها إنفاق الفرد بشكل كبير بالناتج الوطني ومن هنا فإن الحديث عن رفع قيمة اليوان ما هو إلا مرحلة من مراحل تحجيم نمو الاقتصاد الصيني وسيكون لتقليص حجم الصادرات للخارج العامل الآخر بضرب نسب النمو الكبيرة التي يحافظ عليها هذا الاقتصاد منذ فترة طويلة.

الأزمة العالمية لا تبدو في نتائجها أنها تسير وفق طبيعة تفرضها الظروف بل ان المسألة برمتها تتجه نحو ترتيب جديد يسمح ببقاء الدولار متربعا على عرش العملات لفترات طويلة؛ فالظروف إلى الآن تظهر قوة له وضعفا للآخرين، ولكن النتائج ستكون مأساوية بإطالة أمد الأزمة العالمية والدخول في حسابات جديدة لتحديد الخيارات الممكنة للمحافظة على المكتسبات وكذلك قيمة الأصول والاحتياطيات لدول العالم بشكل عام وإخضاع الاقتصاد العالمي مجددا لنفس التأثيرات التي كانت تسهم به من قبل دون تغير في المحرك الرئيسي ولكن بتوزيع جديد لنسب التأثير من باقي الكيانات الدولية الكبرى حاليا وخصوصا في منطقتي اليورو والشرق الآسيوي.