الدول الناشئة تقود النمو العالمي في مرحلة استعادة النشاط الاقتصادي

26/04/2010 0
د.محمد إبراهيم السقا

منذ عدة أيام أصدر صندوق النقد الدولي الإصدار الأول من تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook لعام 2010، والذي يتضمن تحليلا للقضايا الاقتصادية الرئيسية التي يواجهها العالم، إصدار ابريل من التقرير يتناول أساسا قضية استعادة توازن النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حيث يواصل الاقتصاد العالمي تحقيق معدلات نمو أفضل من التوقعات التي طرحها الصندوق في الإصدارات السابقة من التقرير، بصفة خاصة في الاقتصاديات الناشئة والنامية.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط معدل النمو العالمي إلى حوالي 4.25%، ومقارنة بهذا المعدل فان الدول الآسيوية تنمو بسرعة صاروخية متجاوزة هذا المتوسط بصورة واضحة. وقد ترتب على هذه الانفراجة في آفاق النمو العالمي تنشيط حركة رؤوس الأموال بين دول العالم، بصفة خاصة إلى الاقتصاديات الناشئة، دون أن يترتب عليها حدوث فقاعات في أسعار الأصول في تلك الدول أو تسارعا في معدلات التضخم، على الأقل حتى هذه اللحظة. غير أنه مع تحسن مستويات النشاط الاقتصادي العالمي يتوقع ان تتسع الاختلالات في المواقف الخارجية لدول العالم مرة أخرى بعد ان كانت قد خمدت بعض الشيء بفعل الأزمة، كذلك يتوقع ان تستمر الاختلالات في المالية العامة عند مستويات مرتفعة في العام القادم، والتي يمكن ان يترتب عليها تراكما للدين العام في العديد من الدول، وربما تواجه بعض دول العالم اليوم صعوبة في تسويق ديونها، إلا ان الانتعاش الاقتصادي سوف يمكن الجهاز المصرفي في دول العالم من امتصاص قدرا أكبر من هذه الديون العامة في المستقبل القريب، خصوصا مع تحسن الأوضاع الائتمانية لتلك الدول وانخفاض مستويات المخاطر المصاحب لذلك.

وعلى الرغم من تحسن آفاق نمو الاقتصاد العالمي في العام القادم إلا أن مشكلة الديون السيادية قد تقف حجر عثرة أمام استقرار النمو الاقتصادي العالمي لما يمكن ان يترتب على انفجار إحداها من أثار ارتدادية هائلة على الأسواق المالية في العالم قد تؤدي إلى انعكاس اتجاهات النمو ومن ثم إطالة أمد الخروج من الأزمة. الديون السيادية إذن هي التحدي الأول الذي قد يواجه عملية استعادة النشاط الاقتصادي في العالم لما يمكن أن تحدثه من اضطرابات مالية على المستوى الدولي.

لم تكن طريقة تعامل العالم مع أزمة الديون السيادية لليونان تسير في الاتجاه والسرعة المناسبتين، وإذا استطاع العالم ان يتعايش العالم مع التهديد الذي تمثله الديون السيادية لليونان حتى الآن فإن بروز مشكلة ديون سيادية أخرى ربما يخرج الأمور في الأسواق المالية العالمية عن نطاق السيطرة، لذلك اعتقد ان التحدي الأكبر الذي سيواجه العالم في العامين القادمين هو كيفية السيطرة على المخاطر الكامنة للديون السيادية، خصوصا مع ترشح عدد اكبر من الدول ذات حجم الدين المرتفع والانتشار الأوسع بين مصارف دول العالم إلى الانضمام إلى اليونان.

على العالم إذن ان يتخذ الإجراءات المناسبة للسيطرة على نمو الدين العام في مختلف الدول وان يتخذ الإجراءات المناسبة لتوفير آليات مناسبة للتعامل من هذه المخاطر، على سبيل المثال يجب أن يتم تدعيم الدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي، بحيث يصبح الملجأ الأخير للاقتراض من قبل دول العالم على ان يصاحب ذلك رفع موارده المالية على النحو الذي يمكنه من الاضطلاع بهذه المهمة لضمان الاستقرار المناسب للأسواق المالية العالمية، وهي بلا شك مهمة ينبغي أن يعهد بها إلى صندوق النقد الدولي بالإضافة إلى مهام الاستقرار النقدي والمالي للدول الأعضاء. الشكل التالي يوضح اتجاهات الاختلالات المالية في العالم واتجاهات الدين العام وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي.

 

التعافي الاقتصادي الذي يشهده العالم إذن حاليا مازال هشا، ومن الممكن أن يتعرض لمخاطر تراجع اتجاهاته، وهو ما يقتضي ضرورة بذل دول العالم أقصى ما في وسعها لضبط إيقاع نمو إنفاقها العام والسيطرة على عجز ميزانياتها العامة ومن ثم دينها العام. العديد من الدول مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى ان تقوم بإصلاح نظم الإنفاق العام بها وإتباع سياسات أكثر حصافة للحد من نمو الإنفاق العام ومن ثم العجز في الميزانيات العامة لها.

على جانب آخر استدعت عملية التعاطي مع الأزمة استخدام أدوات نقدية غير تقليدية من قبل العديد من الدول مثل التيسير الكمي (طبع النقود)، والتي ربما في أوقات الأزمة تحقق الأهداف المرجوة منها في رفع مستويات الطلب الكلي في المجتمع ومن ثم تشجيع عمليات خلق الوظائف في سوق العمل، غير أن مثل هذه الإجراءات غير التقليدية سوف تحتاج إلى تدخل حاسم من قبل السلطات النقدية في دول العالم للسيطرة على نمو المعروض النقدي ومن ثم لجم معدلات التضخم من الخروج عن نطاق السيطرة، أخذا في الاعتبار اتجاهات معدل البطالة، والذي قد يقتضي توسيع معدلات نمو الائتمان لقطاعات الإنتاج والخدمات المختلفة.

السيناريو المتوقع من قبل صندوق النقد الدولي هو نمو الاقتصاد العالمي ككل بمعدل 4.25% في المتوسط كما سبقت الإشارة، غير أن هذا النمو يختلف في المتوسط من مجموعة إلى أخرى. على سبيل المثال يتوقع ان تشهد الاقتصاديات المتقدمة معدل نمو بحوالي 2.25% - 2.5% خلال عامي 2010-2011%، مقارنة بمعدل نمو أسالب قدره 3% في 2009، فإن أفضل اتجاهات النمو ستتحقق في الاقتصاديات الناشئة والنامية والتي يتوقع ان تحقق في المتوسط معدل نمو يصل إلى 6.25% وتتفاوت اتجاهات النمو بشكل واضح بين هذه الدول حيث يتوقع ان تحقق الصين والهند والبرازيل والمكسيك وكذلك روسيا معدلات نمو استثنائية حيث تقود معدلات النمو الاقتصادي في العالم، بينما نجد أن معدلات النمو المتوقع في دول العالم القديم في أوروبا سوف تكون متواضعة للغاية خلال السنتين القادمتين، حيث يتوقع أن تقتصر على 2.3%. الشكل التالي يوضح اتجاهات معدل النمو الحقيقي في المجموعات الرئيسية من دول العالم، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.