على الرغم من المحاولات الأمريكية للحد من العجز التجاري (الفرق بين الصادرات الأمريكية من السلع والواردات الأمريكية من السلع والتي يتم تسجيلها في جزء خاص من ميزان المدفوعات يسمى الميزان التجاري)، فإن هذا العجز آخذ في التزايد، مما يزيد من الضغوط على الدولار في سوق الصرف الأجنبي، وهو ما يعني أن الدولار الضعيف ربما يستمر لفترة أطول مما نتوقع بسبب تلك الضغوط. فقد أعلن المكتب الأمريكي للتحليل الاقتصادي أن شهر فبراير من هذا العام شهد ارتفاعا في العجز التجاري الأمريكي (في السلع والخدمات) بلغ 39.7 مليار دولارا، حيث بلغت قيمة الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات 143.2 مليار دولارا، بينما بلغت قيمة الواردات الأمريكية 182.9 مليار دولار، وذلك مقارنة بعجز في السلع والخدمات قدر بحوالي 37 مليار دولار في يناير الماضي.
ومن الناحية الواقعية لم يشهد شهر فبراير زيادة تقريبا في الصادرات الأمريكية من السلع والخدمات، حيث لم ترتفع الصادرات سوى بحوالي 300 مليون دولارا، بينما ارتفعت الواردات من السلع والخدمات في فبراير بحوالي 3 مليار دولار. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن هذا العجز يخفي طبيعة العجز الحقيقي في الميزان التجاري (أي في السلع فقط) والذي بلغ في فبراير حوالي 52.3 مليار دولار، وهو ما يمثل مصدر صداع ميزان المدفوعات الأمريكي، إذ أن عجز الميزان التجاري المتزايد (في السلع) يمثل أحد مصادر الضغط الأساسية على الدولار، خاصة إذا علمنا أن الولايات المتحدة تحقق فائضا في مبادلاتها التجارية في الخدمات مع العالم، ففي فبراير حققت الولايات المتحدة فائضا من تجارتها في الخدمات قدر بحوالي 11.6 مليار دولارا.
مصدر الزيادة الأكبر في الواردات الأمريكية في فبراير جاء من واردات السلع الاستهلاكية، وواردات المواد الخام، والسلع الأخرى، بينما مثلت الزيادة في الصادرات من السلع الصناعية ووسائل النقل والسلع الرأسمالية والغذاء أهم مصادر الزيادة في الصادرات السلعية. الشكل التالي يوضح أنه على الرغم من جهود الولايات المتحدة للحد من الفجوة بين صادراتها ووارداتها والتي مالت إلى التراجع خلال العام الماضي، فإن هذه الفجوة تميل إلى التزايد مرة أخرى.
أعود وأكرر أنه من الواضح أنه رغم حرص الولايات المتحدة على الإبقاء على الدولار منخفض القيمة بوسائل عدة لدعم صادراتها والحد من وارداتها من العالم الخارجي والضغط على الصين لرفع قيمة اليوان، إلا أن مرونة الطلب على الواردات تبدو ضعيفة، حيث لم تتأثر قيمة الواردات الأمريكية من السلع بارتفاع أسعارها نتيجة ارتفاع قيمة عملات الدول الأخرى بالنسبة للدولار، والولايات المتحدة تتهم الصين بأنها أحد المتسببين الرئيسيين في هذه المشكلة نتيجة لسياسات الصرف التي تتبعها في تحديد قيمة اليوان، والتي تعتقد أن الصين تحرص على ان تقيم اليوان بأقل من قيمته مما يجعل السلع الصينية أرخص نسبيا، وهو ما يؤدي إلى زيادة الواردات الأمريكية من الصين، دون أن تسأل الولايات المتحدة نفسها، ماذا تستورد من الصين وهل يمكن للولايات المتحدة أن تنتج ما تستورده من الصين داخليا، وذلك في ظل الاتجاه المتزايد لتحول دور الشركات الأمريكية من شركات منتجة إلى شركات مبتكرة تدير أعمالها الإنتاجية أساسا من الخارج من خلال بناء مصانعها خارج الولايات المتحدة، أو إسناد عمليات إنتاج منتجاتها إلى شركات خارج الولايات المتحدة.
إذا كانت الشركات الأمريكية تنتج في الخارج، فالوضع الطبيعي أن تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري ضخم نظرا لتركز عمليات الاستهلاك في السلع الأمريكية في تلك التي تنتجها دول مثل الصين وتايوان والهند وغيرها من الدول التي تتمتع بميزة نسبية في التكلفة.
المصدر: U.S. Census Bureau and U.S. Bureau of Economic Analysis