كشف تقرير صادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عن ارتفاع نسبة التضخم في المملكة خلال شهر فبراير الماضي إلى مستوى 4.6 في المائة وهو أعلى مستوى يسجله في ثمانية أشهر، كما أشار التقرير إلى أن هذا الارتفاع يعود بشكل رئيس إلى استمرار ارتفاع أسعار كل من الإيجارات وبعض المواد الغذائية (السكر على سبيل المثال)، حيث إن هذين العاملين لا يزالان يشكلان السبب الرئيس لارتفاع التضخم (أو تكاليف المعيشة) في المملكة طوال السنوات الخمس الأخيرة.
من المنظور الاقتصادي، فإن ارتفاع التضخم يعود غالباً إلى سببين رئيسين: إما نتيجة لزيادة المعروض النقدي بنسب تفوق زيادة السلع والبضائع داخل المنظومة الاقتصادية وإما نتيجة لارتفاع قيمة الواردات الداخلة إلى المنظومة الاقتصادية (إما بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وكما بسبب انخفاض سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية).
الغريب أننا ومنذ بداية عام 2010 شهدنا انكماشاً مفاجئاً في المعروض النقدي، كما أننا شهدنا أيضاً ارتفاعاً قوياً لأسعار صرف الريال السعودي أمام العملات الأجنبية نتيجة لارتفاع الدولار الأمريكي، وبالتالي كان من المفترض (على الأقل نظرياً) أن نشهد انخفاضا في معدلات التضخم وليس ارتفاعاً كما حدث!!
المهم في الموضوع أنه في ظل انخفاض أسعار الفائدة على الريال السعودي ولأكثر من عام، إلا أن ذلك مع الأسف الشديد لم يكن له أي نتائج إيجابية يستفيد منها الوطن أو المواطن حتى الآن، بل ما يزيد الطين بلة أن المؤشرات الأولية تدل على وجود احتمالات باستمرار ارتفاع التضخم في المملكة خلال الفترة القادمة كنتيجة طبيعية لارتفاع أسعار مواد البناء (الحديد والنحاس على سبيل المثال)
وبالتالي أتساع الفجوة بين أسعار الفائدة الحالية من طرف والمستويات المتوقعة للتضخم من طرف آخر إلى مستويات كبيرة لم يسبق الوصول لها من قبل (على الأقل في العشرين عاماً الأخيرة).
هذا يعني أن مؤسسة النقد قد تجد نفسها مجبرة على رفع أسعار الفائدة على الريال السعودي (قد تكون البداية برفع سعر الريبو العكسي) بهدف كبح جماح التضخم الذي أصبح يشكل خطراً على اقتصاد المملكة في الوقت الراهن.
اللافت أن ذلك قد يتم دون إنتظار لقرارات الفيدرالي الأمريكي حول أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي ودون النظر إلى أهمية وجود محفزات للاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن السياسة النقدية ستصبح «انكماشية» وهذا بالتأكيد سيكون له تبعات سلبية على السوق المالية (الأسهم والصكوك معاً) وقد تتعقد الأمور كثيراً إذا ما تعارض ذلك مع أهداف السياسة المالية، التي عرف عنها ولعقود من الزمن بأنها «توسعية»!!