هذه النسبة من التراجع تحققت حتى إقفال الخميس الماضي وهو اتجاه خالف حركة أسواق المنطقة التي صعدت أغلبها لمستويات جديدة، بل عند القياس مع الأسواق المنضمة لمؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة، فجميعها حققت ارتفاعات كبيرة انعكست بالمؤشر نفسه الذي تجاوز ارتفاعه هذا العام 20 في المائة، بينما سوق الأسهم السعودي انخفض بنسبة كبيرة منذ بداية هذا العام عند 13,18 في المائة حتى آخر إقفال، كما فقد من قيمته السوقية ما يفرق 1,1 تريليون ريال ما بين أعلى وأدنى قيمة سوقية حتى الآن لهذا العام.
وعلى الرغم من طرح عديد من الأسباب المحتملة لتراجع مؤشر سوق الأسهم السعودي في وسائل الإعلام والتقارير التي تصدرها المؤسسات المالية إلا أن المتعاملين في السوق يرون أن هذه المبررات لتفسير ما يحدث من تراجع غير مقنعة، لأن جلها عوامل اشتركت بها كل الأسواق العالمية سواء من أثر الرسوم الجمركية الأمريكية التي فرضت في أبريل الماضي على كل دول العالم أو ارتفاع سعر الفائدة وكذلك تراجع أسعار النفط أو الأحداث الجيوسياسية وكذلك الميل نحو التحوط بالذهب وغيرها من أدوات الدين المنخفضة المخاطرة وحتى كثافة الاكتتابات محليا أيضا افترض البعض أنه عامل مهم بالتراجعات الأخيرة إلا أن الأسواق المالية استمرت بالارتفاع وحققت مستويات قياسية جديدة تاريخيا.
فالسوق السعودي يتمتع بكل مقومات الجاذبية للاستثمار فيه بداية من قوة الاقتصاد الوطني وتوقعات النمو المستمر به لأعوام طويلة قادمة ونجاح رؤية 2030 بتحقيق أغلب مستهدفاتها بوقت قياسي إضافة لتطور السوق من حيث التنظيم والتشريعات وزيادة عدد القطاعات والشركات المدرجة وغير ذلك من المحفزات الإيجابية إلا أن كل ذلك لم ينعكس في السوق كحال جل الأسواق العالمية والإقليمية من حيث الارتفاع، بل كان الأكثر هبوطا بينها.
ورغم أن ذلك الاتجاه الهابط يعد محيرا للمستثمرين والمتداولين اليوميين لكن من المهم البحث في أسباب ذلك بعيدا عن كل المؤثرات المؤقتة التي تعترض الأسواق، فإذا كان هناك خلل مزمن تكون العوامل المؤثرة المؤقتة غير مقنعة باستدامة أثرها، إذ يمكن تجاوزها كما حدث في الأسواق المالية العالمية، بينما يتسبب وجود خلل مستدام باستمرار حالة التقلب الشديدة في السوق ويكون هو السبب الحقيقي في تباين الأداء وضعفه في مراحل يفترض أن يكون السوق قويا في حجم سيولته وصعوده الذي يتناسب مع التوقعات المستقبلية استثماريا.
فالسوق شهد زيادة الفئات المستثمرة فيه من أفراد ومؤسسات محلية وأجنبية والتوجه لإضافة فئات من المستثمرين الآخرين من الخارج، وكذلك هيكلة قطاعات السوق وزيادة عدد الشركات لأكثر من 240 شركة ووجود سوق للشركات الصغيرة وإصدار عشرات الأنظمة والإجراءات منذ تأسيس هيئة السوق المالية قبل أكثر من عشرين عاما وكذلك الدور التنظيمي لمدير السوق شركة تداول وعديد من التطورات الإيجابية بقصد وصوله ليكون من أهم الأسواق عالميا لكن يبقى المستثمر عينه على اتجاه الأداء ومقارنته بما يحدث في الأسواق العالمية.
فالسوق قد يحتاج لتركز أكبر في دراسة معوقات جذب السيولة فهي عمق السوق الحقيقي، وبإمكان السوق المالي أن تكون أكبر وأهم ممول للاقتصاد الوطني في ظل زخم المشاريع التنموية على مستوى كافة المناطق بقطاعات عديدة، فالسيولة العالمية ضخمة والفائدة تتراجع والفرص الاستثمارية في الاقتصاد الوطني كبيرة ومتنوعة، ويمكن للسوق المالية أن تكون الممر الأمن والأيسر والأسهل لهذه الاستثمارات، مما يعني أن العوامل التي تجعل توازن تأثير الفئات الاستثمارية في السوق، هي ما يجب العمل عليها، من خلال التوسع بالمشتقات المالية، وفتح نسب التذبذب لحركة الأسعار، وتغيير آلية الاكتتابات عن المتبع حاليا، مثل بناء سجل الأوامر، وكذلك رفع الحد الأدنى لطرح أي شركة لأكثر من 50 في المائة بدلا من 30 في المائة الحالية، وذلك للشركات المتوسطة والصغيرة. أما الشركات الكبيرة فتوضع لها آلية مناسبة لحجم الطرح إضافة لزيادة المعروض من الشركات الكبيرة المدرجة حاليا في السوق عبر عمليات تخارج منظمة ودورية لرفع جاذبية دخول سيولة أكبر وتوازن في أثر الشركات الكبرى المدرجة على حركة المؤشر، وكذلك غيرها من إجراءات الحوكمة الضرورية التي اتضح أهمية وجودها خصوصا مع ظهور خلافات وتساؤلات حول وجود المصالح للملاك المؤسسين وأعضاء مجالس الإدارات بالعقود التي تطرحها الشركات المتوسطة وما دون في تنفيذ أعمالها.
السوق المالي السعودي قناة استثمارية رئيسية بالاقتصاد الوطني ولا تحتاج لمن يشرح ويفصل في أهمية دوره التنموي والاستثماري، خصوصا أن صناعة أسواق المال عالميا تطورت بشكل لافت ودخلت بها تقنيات تداول معقدة زادت من الإقبال عليها، مما يعني أن فرصة تعظيم دور السوق في تمويل الاقتصاد كبيرة جدا ويمكن بإعادة دراسة بعض الجوانب باستراتيجية السوق ودوره المستقبلي الوصول للمستهدفات الرئيسة في تنمية الدور التمويلي والاستثماري للسوق المالية السعودية.
نقلا عن الجزيرة



الرياض - بادي البدراني: أبدى محللون ومتعاملون قلقهم حيال سياسات هيئة السوق المالية في التعامل مع سوق الأسهم السعودي، محذرين من أن السوق مقبلة على مرحلة مقلقة ، إذا لم تتخذ الهيئة خطوات فاعلة في إجراءاتها التي وصفوها بأنها تتسم بالبطء الشديد، مطالبين الهيئة بوضع برنامج زمني واضح لخططها الرامية لفرض مزيد من الضوابط والشفافية في السوق . واعتبر محللون وسماسرة يتعاملون في سوق الأسهم ، أن الهيئة بآلياتها الحالية لا تساهم في تحسن أداء السوق،وأن عليها تغيير أسلوبها للمحافظة على سلامة السوق والمستثمرين فيه،مرجعين التوتر الذي تشهده سوق الأسهم إلى ضعف إجراءات الرقابة وغياب الشفافية . ويخشى كثيرون حالياً من أن يؤدي الهبوط المتواصل لأسعار الأسهم إلى عدم تعافي السوق مستقبلا بعد موجات الانهيار التي شهده منذ فبراير من العام الماضي ، في الوقت الذي ثارت فيه المخاوف من أن الهبوط الذي أصاب السوق أعمق وأكبر مما كان يعتقد المحللون من قبل، عقب الخطوة الجريئة التي اتخذتها هيئة السوق المالية بتعليقها تداول أسهم شركة بيشة للتنمية الزراعية . ودفع إجراء هيئة السوق تجاه بيشة،إلى حدوث تصحيح نزولي حاد ضرب سوق الأسهم، الأمر الذي جدد المخاوف من انهيار آخر في الأسعار قد يغرس بذور الاستياء بين ملايين المستثمرين الذين بدأت مدخراتهم تتبخر في سوق تفتقد لأدني قواعد الشفافية والإفصاح والعدالة بين المستثمرين. ويمر سوق الأسهم في مرحلة مهمة وفاصلة بين الارتفاع لتعويض الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الموشر خلال العام الماضي أو مواصلة الانحدار الى مستويات قياسية تقل عن المستوى الحالي. ويقول المحللون ان المستثمرين الذين اصيبوا بصدمة شديدة بعد قرار تعليق تداول أسهم شركة بيشة من الصعب ان يستعيدوا ثقتهم فى وقت قصير . فالمستثمرون يشعرون بالتوتر الشديد والعديد منهم يريد التخلص من اسهمهم فى اسرع وقت ممكن . وقال ل"الرياض" محلل مالي فضل عدم الإفصاح عن اسمه بحجة فقده الأمل في تجاوب هيئة السوق مع الآراء التي يطرحها المحللون ، إن الهبوط الحاد في الأسعار خطير جدا، ويمكن أن يسبب كارثة في الأوساط الاقتصادية ،مضيفاً :" الهبوط يعد كارثيا وينذر بمزيد من التراجع الذي ربما يقود لانهيار جديد . وذكر أن هيئة السوق المالية تعاني من أخطاء كبيرة في التعامل مع السوق وتفتقر لأبسط قواعد الشفافية مع المستثمرين ، لافتاً إلى أن الهيئة لا تزال متمسكة بمصطلح "قريباً " في كل قراراتها ولوائحها ، داعياً إلى اعتماد نظرة أعمق للسوق وإقرار برنامج زمني لكل القضايا المتعلقة بالسوق من إنشاء السوق الثانوي إلى تأسيس شركة إدارة السوق، الجدول الزمني لطرح الإصدارات الجديدة. وبين أن هناك مجموعة من العناصر التي أثرت سلباً على أداء السوق وتسببت في وصوله لهذه المرحلة الخطيرة ،موضحاً أن من بين هذه العناصر سوء سلوك المستثمرين وبطء إجراءات هيئة السوق المالية وغياب الشفافية ، غياب الترابط بين الجهات المالية ذات العلاقة ، وعدم تفعيل برامج الخصخصة. وتابع المحلل الذي بدأ متشائماً من سياسات هيئة سوق المال :" وضع السوق يدعو للقلق في حال استمرت الهيئة في اتباع هذه السياسات ..السوق بحاجة ماسة إلى تحرك الجهات العليا في البلاد لتشكيل هيئة عليا مهمتها حسم القرارات والتحقيق في مكامن الخلل الذي تسبب في تبخر مدخرات المستثمرين ". وحمل المحلل المالي هيئة السوق مسؤولية ما يجري ،وذلك من خلال عدم قدرتها على مواكبة سرعة تطور السوق الذي يحتاج إلى قرارات سريعة ومدروسة،الأمر الذي جعل السوق مرتعاً خصباً للشائعات التي باتت تقود السوق لمستويات دنيا جديدة ،مبيناً أن أداء السوق بوضعه الحالي لا يعكس البتة أداء الاقتصاد الوطني المرشح لمزيد من النمو والازدهار. وقال :" قرار هيئة السوق المالية الذي أصدرته بحق شركة بيشة الزراعية يعتبر ترسيخاً للخلل .. لو كان السوق الثانوي مقراً لما حدث هذا الأمر ". وأضاف :" يبدوا أن الهيئة غير قادرة على حماية مكتسبات الاقتصاد الوطني.. والدليل غياب أي تحرك نحو إقرار خطوات تحمي الشركات القيادية من هذه الانحدارات في ظل عدم دخول أي سيولة جديدة تنتشل السوق من التراجعات الحادة ". وقال :" في جميع الأسواق العالمية هناك برامج يطلق عليها "حماية سمعة الشركات " والذي يسمح للشركة بشراء أسهمها وضخ سيولة جديدة لإنقاذ أسهمها من الانهيارات غير المبررة ،مبيناً أن الوقت حان لإقرار هذه البرامج في السوق السعودي ،مشيراً إلى أن غياب التشريعات الرامية إلى حماية أسهم الشركات القيادية يعدّ واحداً من الأخطاء الكبيرة في هيكل السوق التي يهيمن عليها مستثمرون أفراد في الوقت الحالي. وشددّ المحلل المالي على أن تعامل السلطات المالية مع السوق لا يزال "سيئا للغاية" حيث سمحت سياساتها في زيادة حدة الشائعات بين المستثمرين ،مطالباً بتدخل حكومي فاعل يؤدي بالنهاية إلى تعامل الجهات الرقابية بطريقة غير تقليدية ، وشرح كامل للسياسات المالية التي تتبعها الهيئة مع السوق بوقت كاف قبل إقرارها . وتابع :" المشكلة الأكبر أن الهيئة تتعامل مع المستثمرين والمحللين والاقتصاديين بسياسة (تحدثوا حسبما تشاءون ..ونحن سنفعل ما نريد) ، مبيناً أن هذا الأسلوب في التعامل دليل واضح على انغلاق الهيئة على نفسها وتزمت سياساتها التي ستؤدي في النهاية إلى إلحاق أكبر الضرر بالاقتصاد الوطني . وأمس الأول ، قال ل"الرياض" صباح التركي مستشار تحليل أسواق المال ،أن هيئة السوق المالية تحتاج إلى إجراءات أكثر وضوحاً خاصة في مسائل الإفصاح والشفافية، بجانب سدّ الثغرات التشريعية التي يعاني منها النظام حتى تتمكن السوق من استعادة ثقة المستثمرين بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بمدخراتهم . أمام ذلك ، قال متعاملون واقتصاديون أن سوق الأسهم السعودي لا يزال عرضة لعمليات التلاعب والمضاربة غير السليمة ،لافتين إلى أن هناك مجموعة من العوامل والمؤشرات الغائبة عن المستثمرين بسبب السياسات المتبعة من الهيئات الرقابية على سوق الأسهم ،مشددين على ضرورة ان تكون هناك تغييرات ملائمة تخلق حالة من الاستقرار وتعيد الثقة المفقودة في السوق حاليا. وأكد عثمان العثيم عضو جمعية الاقتصاد السعودية ، أن سوق الأسهم السعودية فقدت ثقة جانب كبير من المستثمرين، مضيفاً :" لن تقوم للسوق قائمة إلا بوجود قواعد قوية لحماية المستثمرين من استغلال وتلاعبات الكبار، والضرب بيد من حديد على الشركات والمضاربين الذين يستغلون المعلومات الداخلية وينشرون الشائعات، مع ضرورة إصدار قرارات قوية ومرنة وسريعة أسوة بالقوانين والقرارات العالمية في أسواق المال مع تطبيق القانون على الكبار قبل الصغار لايجاد عدالة وفرص متساوية في الأسواق، وبدون ذلك لن تتطور السوق . وأضاف :" من الضروري على هيئة سوق المال أن تحارب الشائعات التي يصدرها البعض عن السوق، وإصدار تكذيب أو تأكيد فوري لها قبل اتخاذ صغار المستثمرين مواقع شرائية أو بيعية بناء على هذه الشائعات". وقال العثيم إن المطالبات كثيرة اليوم لكي تقوم الحكومة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه في السوق وتنظيم شؤونه،مبيناً أن الانخفاض الحاد الذي تشهده أسعار الأسهم المحلية يثير العديد من التساؤلات حول الآثار التي يمكن ان تنعكس على استثمارات المتعاملين بشكل عام وسوق الاسهم المحلية بصفة خاصة. وذكر أن الترقب هو سيد الموقف في الوقت الراهن لإجراء تعديلات جوهرية في الطرق المتبعة مع السوق ، لافتاً إلى أن انخفاض الأسعار المتتالي دون توقف أدى إلى حدوث مخاوف من أن تتعرض استثمارات المتعاملين إلى الضياع،خاصة وأن المستثمرين قلقين من مرحلة الغموض التي يمر بها السوق في الفترة الحالية،. في المقابل،يرى وليد الشدوخي أحد المستثمرين أن بطء قرارات هيئة السوق وعدم شفافيتها في القرارات المصيرية ، سيؤدي إلى استمرار الهلع بين المتعاملين ،موضحاً أن المستثمرين يمرون حالياً في حالة انتظار وترقب واستنفار أيضا استعدادا لاتخاذ قرارات حكومية لإنقاذ السوق . واتفق المستثمرون والمحللون على ضرورة أن تتخذ هيئة سوق المال إجراءات لوقف الاكتتابات الجديدة لفترة مؤقتة الى ان يعاد تنظيم هذه الإجراءات وفقا لأوضاع السوق لحماية سوق الاسهم من استمرار حالة النزيف والذي أدى عمليا الى تآكل قيمة الاسهم بنسب كبيرة وكبد المستثمرين خسائر حادة لم يعد من السهل تعويضها الآن، كما طالبوا بتدخل حكومي سريع للحد من حالة النزيف التي أصابت السوق خاصة ان انعكاسها سيتعدى حدود السوق لينسحب على كافة مناحي الحياة اذ ان كثيرا من المستثمرين قد يعلنون إفلاسهم اذا ما استمر السوق على هذه الحال .