العلاقات الاقتصادية السعودية الامريكية

18/11/2025 0
فواز حمد الفواز

زيارة ولي العهد و رئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان فرصة لمراجعة بمنظار اقتصادي العلاقة بين السعودية و امريكا. الكثير قيل و كتب عن العلاقات بين البلدين و خاصة من خلال اطار الوضع الجيواستراتيجي في المنطقة و حتى ابعد عالميا نظرا لكون امريكا اهم لاعب عالمي على الاقل منذ الحرب العالمية الثانية و دور المملكة المحوري في المنطقة و ابعد من ذلك اسلاميا و نفطيا لذلك - فترة مفصلية ايضا في انطلاق العلاقة بين البلدين. ارغب ان اركز على مراحل محددة في العلاقة الاقتصادية بين البلدين لسببين الاول ان الشأن الاقتصادي دائما حاضر بسبب مركزية النفط و دور المملكة و بدايته من خلال العلاقة مع امريكا ممثلا ببدايات شركة ارامكو لكن ايضا بما حددته الظروف الموضوعية خاصة في الجانب الاداري و البشري في المملكة لتاسيس كيان اقتصادي حديث مر بحقبة ممكن تقسيمها الى ثلاث حلقات اقتصادية.

فترة الرؤية الاقتصادية (استعداد المملكة لمرحلة جديدة) و تزامن ذلك مع اعادة تشكل الاوضاع الجيوسياسية عالميا بالرغم من استمرار مركزية امريكا كما حدث لبريطانيا بين الحربين الاولى و الثانية.

لاغراض التحليل اقسم التاريخ الاقتصادي الحديث للسعودية الى ثلاث مراحل. الاولى، بدأت مع دور النفط في الاقتصاد السعودي منذ اول شحنة لتصدير النفط و انتهت مع بداية التخطيط الاقتصادي. الثانية مع بداية النفط ماليا و تخطيطيا كما في الخطة الخمسية الاولى و خاصة بعد اول ارتفاع محسوس للنفط في 1971 و الذي ايضا تزامن مع فصل الدولار عن الذهب و بالتالي نوع من انطلاقة جديدة لتقويم السلع بالدولار و منها النفط و تنامي الاسواق المالية. الاولى كانت منذ اول تصدير للنفط حتى بداية التخطيط المركزي في 1968 و بداية الخطة الاولى في 1970، و الثالثة التي بدأت في 2016 و حتى تحقيق أهدافها كاحد الحلقات في تطور متغير و مستمر. يجمع هذه المراحل و يفرقها عدة خصال. يجمعها اول، بوصلة القيادة لتطوير و تحديث السعودية حسب الظروف الموضوعية وطنيا و خارجيا، الثاني بالرغم من بعض التقلبات المالية و بعض منها كان قاسي خاصة في عقد الخمسينات الا ان البناء الاداري و في العملة و بناء الاجهزة المركزية كانت اهم سمات استقرار العلاقة.

الثالثة، العلاقة مع امريكا و الدولار استمرت سمات رئيسة كعوامل استقرار. يفرقها ايضا عدة عوامل، الاول ان تطور المملكة من كيان يغلب عليه المال لكيان يرغب في تقدم اقتصادي لابد ان ياخذ كما فعل بمبادارات تعتمد بالضرورة على سياسات اختيارية بناء على الامثل تقنيا و سعريا. الثانية ان التنافس اقتصاديا و علميا في المنطقة اصبح اوضح و اكثر دقة لانه مختلف جوهريا عن حقبة تفعيل المال نفعيا. الثالثة، امريكا تغيرت داخليا و خارجيا، داخليا اصبح اكثر انكشافا على المنفعة المالية بعكس التحرك السعودي، خارجيا لم تعد امريكا بنفس المركزية الاقتصادية، و ان استمرت الحالة المالية و دور الدولار في المدى المنظور، فمثلا لازالت الاسواق المالية الامريكية الاكثر توسع و مرونة و لازال التعليم العالي في امريكا جاذبا. اخيرا طبيعة العصر التقني الجديد تسمح بمرونة اعلى لتعظيم المصالح الوطنية من عدة مصادر في الجزئيات على حساب الحلول التكاملية، فمثلا اثبتت صناعة الطائرات المسيرة و قواعد المعلومات اختلاف عن أغلى منظومات الطيران و أجهزة الحواسب و الاتصالات المرتفعة التكاليف في الغرب مقارنة بالصين و سهولة المقدرات لصناعتها وطنيا. في الجانب التجاري العلاقة تميل لامريكا جزئيا بسبب ارتفاع الانتاج الامريكي من النفط في العقد و نصف الماضية و ايضا بسبب شراء الاسلحة، كما ان هناك استثمارات متبادلة و لكن الفائض المالي لصالح امريكا بسبب الاستثمارات الامريكية و مصروفات التعليم و السياحه. هناك طموح سعودي بالتمكين من الدورة الذرية بعد تجارب مريرة لدول المنطقة و لذلك اختارت السعودية طريق مختلف. لا يمكن قياس التعاون الجيواستراتجي بالارقام و لكن حالة اليقين يصعب تسعيرها.

استمرت العلاقة على مدى أجيال لانها مفيدة للطرفين و لازلت الاسباب مستمرة بالرغم من التحديات السياسية التي طرت في الثمانين عاما الماضية لان قلب العلاقة مصلحي يفيد الطرفين بعيدا عن الادولوجيه و العواطف التي عصفت و لا تزال تعصف بالكثير من دول المنطقة. بسبب الاختلاف الهيكلي بين البلدين و تحولات الطاقة و تطور المملكة بشريا و اداريا و تغير دور امريكا لابد للمملكة من استعداد و تهيئ لنقل التقنية و الترتيب البشري في التعليم و تدوير النخب و تعميق المهارات و المعرفة الفنية بطريقة اكثر عمق و شمولية. لذلك تاتي هذه الزيارة في مرحلة مهمه و لكنها حلقة في سلسلة مفيدة للكل.

 

خاص_الفابيتا