فتحت زيارة الرئيس دونالد ترامب آفاق الشراكة الإستراتيجية الوثيقة بين المملكة وأميركا. صفحة جديدة من العلاقات الإستثنائية تُنبئ بمزيد من الشراكات الوثيقة المعززة للعلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية، والتدفقات الاستثمارية، الاستدامة، من أهم مقومات العلاقات المشتركة بين البلدين، القائمة على الموثوقية والمصالح المشتركة، وهي وإن أصابها بعض الفتور في مرحلة من المراحل، تبقى راسخة على قواعدها التاريخية، فيعاد تنشيطها بزخم أكبر مستفيدة من إرثها التاريخي، وأهميتها الإستراتيجية، في زيارته الأخيرة للمملكة والمنطقة، قال الرئيس دونالد ترمب: «لا أحد يستطيع كسر العلاقة القوية بين أميركا والسعودية، ولدي علاقات قوية مع الملك سلمان، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان». ثقة متبادلة بين ترمب و القيادة السعودية عززت العلاقات المشتركة، وأعادت ضبط بوصلتها، وساهمت في معالجة تحدياتها الطارئة، واستثمار الفرص المتاحة الداعمة للإقتصاد وتدفق الاستثمارات، وأغلقت أبواب المتآمرين، الذين سعوا، خلال سنوات مضت، لتسميم العلاقات المشتركة، برؤاهم القاصرة، ومخططاتهم المشبوهة، ومكائدهم السياسية، وحملاتهم الإعلامية القذرة.
كان من الممكن تطور المواجهة في السنوات الثمانية الماضية، فيخسر البلدان شراكتهما الإستراتيجة الممتدة لتسعة عقود، غير أن حكمة القيادة السعودية في تعاملها مع الأزمات الطارئة، والمتغيرات السياسية، حمت تلك العلاقة من الانهيار، اعتمدت السعودية «شعرة معاوية» كسياسة وقتية في علاقتها مع الإدارة الأميركية السابقة، وفتحت جسور الشراكة مع الصين، الشريك الاقتصادي المهم، تحقيقا لهدف التوازن الأمثل في العلاقات الاقتصادية، والتنوع القائم على المصالح المشتركة، وكأنها أوجدت لنفسها، سببا وجيها تحقق من خلاله أهدافها الإستراتيجية بهدوء وحكمة، ولأسباب إرتبطت بسياسة الإميركيين الإقصائية.
تخرج المنح من بطون المحن، غير أنها تحتاج إلى قادة على مستوى عال من التفكير الإستراتيجي، والمعرفة العميقة بدهاليز السياسة، والإقتصاد والدبلوماسية الفاعلة، لاستثمارها. ثمان سنوات من فتور العلاقات المشتركة مع الإدارة الأميركية السابقة، نتج عنها تحركات مدروسة لتوثيق العلاقة الإستراتيجية مع الصين، ودول الشرق عموما، مع الإحتفاظ بالعلاقات التاريخية مع الأميركيين.
أعادت زيارة الرئيس ترمب، الشراكة الإستراتيجية إلى طريقها الصحيح، وفتحت أبواب التنوع الاقتصادي المتوافق مع الرؤية. سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، قال خلال كلمته في المنتدى الاستثماري السعودي الأميركي، «إن المملكة تعمل اليوم على تعميق هذه الشراكة الاستراتيجية والانتقال من اقتصاد قائم على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة والابتكار». وهذا ما تسهدفه رؤية 2030 التي ركزت على تنويع مصادر الاقتصاد والدخل، والتحول التدريجي نحو الاقتصاد المعرفي.
شكلت إتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية التي تم توقيعها الإطار الشامل المنظم للعلاقات المستقبلية المستدامة، وأحدثت الصفقات النوعية التي بلغ حجمها 300 مليار دولار تحولا في العلاقات التجارية بين البلدين، و في القطاع التكنلوجي، و المعدات العسكرية والخدمات القتالية، وقطاع الطاقة، على وجه الخصوص، وزارة الخارجية الأمريكية، نشرت مستند للصفقات والاستثمارات المشتركة بين المملكة وأميريكا ومنها استثمار شركة داتا فولت (DataVolt) لـ 20 مليار دولار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة، وإلتزام شركات غوغل (Google)، داتا فولت (DataVolt)، أوراكل (Oracle)، سيلز فورس (Salesforce)، إيه إم دي (AMD)، أوبر (Uber)، باستثمار 80 مليار دولار في التقنيات المتطورة والتي تُحدِث نقلة نوعية في كلا البلدين. وتوقيع وكالة ناسا ووكالة الفضاء السعودية اتفاقية القمر الصناعي المصغر كيوب سات (CubeSat) للطيران.
من اللافت إطلاق سمو ولي العهد شركة «هيوماين» إحدى الشركات المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، والتي تهدف إلى تطوير حلول وتقنيات الذكاء الاصطناعي وإدارتها، والاستثمار في منظومة القطاع، قبيل زيارة الرئيس ترمب، أطلق. مشروع جديد يستهدف تقديم أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وجيل جديد من مراكز البيانات، والبنية التحتية للحوسبة السحابية.
تشكل شركة «هيوماين» لبنة رئيسة في القطاع التكنولوجي، ومحور تنمية القطاع، وتعزيز مكانته في الاقتصاد، والركيزة الأهم لعالم الذكاء الإصطناعي في المملكة. لا مكان للقرارات العشوائية في التنمية السعودية، فكل خطوة يتم إتخاذها ترتبط بشكل وثيق بخطوات إستراتيجية أخرى، هدفها الرئيس تحقيق مستهدفات الرؤية، وصناعة المستقبل والتحول الاقتصادي الشامل. كما أن جميع الإتفاقيات والعقود التي يتم توقيعها، ترتبط إرت باطا كليا بمتطلبات التحول الاقتصادي ومستهدفات الرؤية، وصناعة المستقبل. من المتوقع أن تفتح الشراكة السعودية الأميركية الباب لنقل التقنية، والمساهمة الفاعلة في تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي، وتدفق الاستثمارات لقطاع التكنلوجيا، والقطاعات الاقتصادية الأخرى، بما يسهم في تعميق الشراكة الإستراتيجية المحققة لهدف التحول من اقتصاد قائم على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة والابتكار.
نقلا عن الجزيرة