قطاع السياحة... رافد مهم للتنمية الشاملة والمستدامة وتنويع الاقتصاد

09/09/2025 0
د. أحمد درويش

السياحة ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي قطاع اقتصادي متكامل يرتبط بمجموعة واسعة من القطاعات مثل النقل، الضيافة، الثقافة، التجارة، والخدمات العامة. هذا الترابط يجعل السياحة أداة استراتيجية قادرة على تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، خاصة في الدول التي تمتلك مقومات طبيعية وثقافية متميزة، تشير الابحاث الحديثة إلى أن السياحة لا تقتصر على تعزيز الناتج المحلي الإجمالي فقط، بل تساهم أيضًا في تحسين مؤشرات التنمية البشرية مثل التعليم، والصحة، وتقليص الفجوة التنموية بين المناطق. وقد أثبتت دراسات حديثة شملت العديد من الدول، أن السياحة يمكن أن تكون سببًا مباشرًا في تحسين التنمية الاقتصادية في الدول ذات التخصص السياحي المنخفض والمستوى التنموي المحدود، بينما في الدول المتقدمة، فإن التنمية نفسها تساهم في تعزيز السياحة.

ومن الأمثلة الدولية على نجاح مساهمة السياحة في التنمية، يُنظر إلى إسبانيا والتي تمثل السياحة فيها أكثر من 12% من الناتج المحلي، وتعد من أبرز الدول التي وظفت السياحة في تعزيز التنمية الإقليمية. وكذلك دول أخرى مثل كوستاريكا التي اعتمدت على السياحة البيئية، مما ساهم في الحفاظ على التنوع الحيوي وتحقيق دخل مستدام. وحتى دول صغيرة مثل مالطا التي أعطت مثال جيد لنجاح مساهمة القطاع السياحي في الاقتصاد والتنمية، فوصل معدل السياحة للفرد فيها ما يفوق دولًا كبرى، فجعلها نموذجًا في التخصص السياحي. وجميعنا نعلم أن دولا كالهند ومصر والمغرب يمكن أن تحقق قفزات تنموية إذا استثمرت في البنية التحتية السياحية.

ولعلنا هنا نشير إلى مقالاتنا السابقة للفارق المهم بين مفهومي النمو والتنمية، وأهمية التمييز في العلاقة بين النشاط السياحي والنمو من جهة، وكذلك مفهوم التنمية من جهة أخرى. فالتركيز على المساهمة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي قد يجعلنا نغفل عن المساهمة الأهم في التنمية المستدامة والشاملة على المدى الطويل. فمنظمات دولية عديدة كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) أوضحت في تقاريرها ودراساتها أن قطاع السياحة ليس فقط قادر على تعزيز النمو الاقتصادي، ولكن أيضا يساهم بشكل كبير في التنمية الشاملة ومن ضمنها الاجتماعية والبشرية وتحسين جودة الحياة للجميع، والتي تُعتبر الهدف الأسمى لكل دول العالم. وبناء على ذلك المفهوم، العديد من تلك المنظمات الدولية تستمر في رصد ميزانيات ليست بالقليلة لتمويل مشاريع في العديد من الدول التي لديها ميزات نسبية لتساعدها في النهوض باقتصاداتها، وللمساهمة في تقليص الفارق التنموي بين الدول المتقدمة والنامية، باستخدام موارد قد تكون أقل تكلفة عند الاعتماد على الميزات النسبية لبعض الدول، سواء الموارد البشرية أو الطبيعية أو الموقع الجغرافي وغيرها مما يدعم النشاط السياحي.

وفي ذلك الإطار تبرز المملكة من خلال استراتيجيتها الوطنية لتنمية القطاع السياحي كأحد ركائز التحول الاقتصادي لدعم التنمية الشاملة والمستدامة. فالجميع لاحظ التطورات الأخيرة المثبتة بالأرقام لتعزيز هذا النشاط الاقتصادي المهم، حيث تزايدت أعداد السياح الدوليين إلى ما يقارب 30 مليون زائر في عام 2024، مقارنة بـ 17.5 مليون زائر في 2019، وبلغ عدد الوظائف أكثر من 966 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة. ويُتوقع أن تتزايد هذه الأرقام خلال السنوات القادمة مع البدء الفعلي للمشاريع السياحية المزمع أطلاقها في معظم مناطق المملكة كمشاريع البحر الأحمر والقدية وأبها وعسير وغيرها، والتي ستجعل المملكة وجهة سياحية مميزة لجميع الزوار المحليين والدوليين. وكمثال لمؤشرات لدعم التنمية الشاملة ومنها المناطقية، والتي يستطيع القارئ القياس عليها، ما يُلاحظ من ارتفاع في عدد الزوار بعد إطلاق فعاليات موسم عسير، وزيادة الانفاق السياحي، وخلق الفرص الوظيفية المباشرة وغير المباشرة في تلك المنطقة وفي قطاعات متعددة. وكذلك مساهمة البرامج التدريبية التي أطلقتها وزارة السياحة لتأهيل الشباب في الضيافة والإرشاد السياحي، وكذلك برامج صندوق التنمية السياحي لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يُقلص الفجوة التنموية بين المناطق، ويُعزز التراث المحلي والهوية الثقافية.

ولعلنا نختم بالقول أن السياحة ليست قطاعًا هامشيًا، بل هي أداة فعالة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. ومع التقدم الكبير الذي تشهده المملكة، فإن الاستثمار في السياحة سيؤدي إلى تحسين جودة الحياة، وتنويع الاقتصاد، وتعزيز مكانة السعودية على خارطة السياحة العالمية.

 

خاص_الفابيتا