تُعدّ المؤشرات أدوات جوهرية لفهم حركة الأسواق واتجاهاتها، فهي تمثل البوصلة التي تحدد مسار النمو أو الانكماش، وتعكس الوضع العام للاقتصاد، من خلال بيانات دقيقة مثل الناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات البطالة، ومستويات التضخم. غير أنّ هذه الأرقام، على أهميتها، لا تلتقط دائماً الصورة النفسية والاجتماعية للمجتمع في أوقات الأزمات، ومن هنا برزت مؤشرات غير تقليدية، وبعضها ذوو أسماء غريبة وطريفة، ولكنها تؤخذ في كثير من الأحيان على محمل الجد بوصفها تعكس دلالات مزاج المستهلك.
من أبرز هذه المؤشرات ما يُعرف بـ«مؤشر أحمر الشفاه»، وقد ظهر هذا المصطلح عام 2001 حين لاحظ ليونارد لودر، رئيس مجلس إدارة شركة «إستي لودر»، ارتفاعاً في مبيعات أحمر الشفاه خلال فترة ركود الاقتصاد الأميركي بعد انفجار فقاعة «دوت كوم»، وكتبت عنه لأول مرة صحيفة «نيويورك تايمز»... بدا المشهد متناقضاً حينها: اقتصاد متراجع يقابله انتعاش في مبيعات سلعة تجميلية صغيرة. وارتبط التفسير بفكرة «الاستهلاك التعويضي»، حيث يلجأ الأفراد إلى بدائل زهيدة تمنحهم شعوراً بالترف عندما تعجز إمكاناتهم عن شراء الكماليات الباهظة، وهكذا تحوّل أحمر الشفاه إلى رمز لمزاج المستهلك في زمن الأزمات، وأصبح مؤشراً نفسياً - اقتصادياً يحظى باهتمام الإعلام والباحثين.
أحداث العقدين الماضيين عززت مكانة هذا المؤشر. ففي الأزمة المالية العالمية عام 2008، تراجعت مستويات الثقة وتقلص الإنفاق على السلع الفاخرة، بينما حافظت مستحضرات التجميل، خصوصاً أحمر الشفاه، على مبيعات مرتفعة نسبياً، كان ذلك انعكاساً لحاجة المستهلكين إلى «ترف صغير» يوازن شعورهم بالحرمان الاقتصادي. أما في جائحة «كورونا» عام 2020، فقد شهد المؤشر تحوّلاً لافتاً؛ إذ تراجعت مبيعات أحمر الشفاه بسبب انتشار «الكمامات»، بينما ارتفعت مبيعات منتجات بديلة، مثل ظلال العيون والعناية بالبشرة. وتكشف هذه الحالة عن أنّ المؤشر يظل حاضراً، لكن مظاهره تتكيّف مع السياق الاجتماعي والصحي السائد.
إذن، فالفكرة في هذا المؤشر ليست في أحمر الشفاه نفسه، ولكن في التفات المستهلكين إلى منتجات تعبّر عن الرفاهية، ولكنها أقل تكلفة من المنتجات التي اعتادوها، ويوجهون إنفاقهم نحو ما هو أقل تكلفة فيما يسمى في علم الاقتصاد السلوكي «الترف الميسور»، وهم بذلك يبحثون عن تعويض نفسي لحالة الحرمان التي يتعرضون لها خلال الأزمة الاقتصادية. وقد نُشر عن هذا المؤشر خلال كل أزمة اقتصادية خلال العقدين الماضيين، وفي كبريات الصحف العالمية، ودُرس أكاديمياً في عدد من الأوراق العلمية، وهو استمرار لربط المنتجات بالحالة الاقتصادية والسلوك الاقتصادي.
وإن ظن البعض أن هذا المؤشر يُعدّ غريباً، فهم بالتأكيد لم يسمعوا بـ«مؤشر الملابس الداخلية الرجالية»، الذي ابتكره الرئيس السابق لـ«مجلس الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي، ألان غرينسبان. تقوم فكرة هذا المؤشر على أنّ مبيعات هذه السلعة الأساسية تبقى مستقرة عادة، لكنها تتراجع بشكل ملحوظ في أوقات الركود العميق حين يضطر الأفراد إلى تأجيل حتى أكثر المشتريات بداهة. انخفاض هذه المبيعات يشير بالتالي إلى ضغوط مالية خانقة. وهناك أيضاً «مؤشر الكعب العالي»، الذي يفترض أن الطلب على الأحذية ذات الكعب العالي يزداد في فترات الأزمات بوصفها رمزاً للثقة بالنفس والمظهر الخارجي. هناك أيضاً مؤشرات تستند إلى استهلاك الأطعمة الرخيصة مثل الـ«بيتزا» والـ«هوت دوغ»، حيث ترتفع مبيعاتها مع تراجع قدرة الأسر على الإنفاق في المطاعم الفاخرة.
تجتمع هذه المؤشرات - على غرابة بعضها - لتؤكد حقيقة أساسية: الاقتصاد ليس مجرد أرقام صماء، بل هو انعكاس لسلوكيات الأفراد وتطلعاتهم ومخاوفهم، ورغم أن هذه المقاييس لا يمكن أن تحل محل المؤشرات الرسمية، فإنها تكمّلها عبر تقديم قراءة أسرع وأعمق للمزاج الاجتماعي الذي قد يسبق التحولات الاقتصادية الكبرى، فيبيّن «مؤشر أحمر الشفاه» وأمثاله أن التفاصيل الصغيرة قد تكشف عن اتجاهات واسعة، وأن السلع التي تبدو تافهة على السطح يمكن أن تكون مرايا دقيقة لحالة الاقتصاد العالمي، فالأسواق لا تتحرك بالأرقام وحدها، بل تتأثر بما يشعر به الناس في حياتهم اليومية، ومن خلال متابعة هذه الإشارات غير التقليدية، تتضح ملامح اقتصاد تحكمه ليست فقط القرارات المالية؛ بل أيضاً العادات والرموز والدوافع النفسية التي تشكّل أساس السلوك البشري.
نقلا عن الشرق الأوسط
نفس سوالف موجات إليرت قبل ١٥٠ سنة 😂 أسواق المال والاقتصاد مجرد جمعيات خيرية وحق مشروع لأي شخص يمتلك مؤشر للحصول على الأموال مجانا وليس لها ساسه ومنظمين ومجالس للاقتصاد يومية وأسبوعية وشهرية وربع سنوية وسنوية …