لا يمكن للقطاع الصناعي تحقيق مستهدفاته الرئيسة بمعزل عن الدعم والتحفيز. تمكين هذا القطاع الإستراتيجي، الذي يُعتبر المحرك الرئيس للتنمية الاقتصادية، ليس خياراً، بل ضرورة يفرضها الواقع، ومتطلباته الرئيسة التي تبنى عليها عدد من مستهدفات الرؤية، ومن بينها تنويع مصادر الاقتصاد، ورفع حجم الصادرات غير النفطية، وتعزيز المحتوى المحلي، وخلق الوظائف والفرص الاستثمارية، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر توليه القيادة اهتماماً خاصاً، لمعرفتها بأهمية القطاع، ودوره الرئيس في التنمية الاقتصادية، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان متابع دقيق لمسارات الرؤية، ومخرجاتها، وللحراك الاقتصادي، والداعم الأول للقطاع الصناعي، والأكثر تفهماً لاحتياجات القطاع الحالية والمستقبلية، والحريص على تحقيق المستهدفات الاستراتيجية ذات العلاقة بأحد أهم القطاعات في المملكة، ورفع تنافسيته ودعم القطاع الخاص، ما ساهم في اتخاذ قرار إلغاء المقابل المالي، الذي يؤكد اهتمام سمو ولي العهد بهذا القطاع الحيوي، وتعزيز تنافسيته، وتنافسية الصناعات السعودية في الأسواق العالمية، وتمكين المنشآت الصناعية وتحفيزها لزيادة وتنويع قاعدة الإنتاج.
إلغاء المقابل المالي على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية المرخصة من أهم أدوات الدعم للقطاع الصناعي، وفي ذلك تعزيز لمكتسبات المرحلة السابقة، ودعم للقطاع، وتحفيز لنمو المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة ولتدفق الاستثمارات، وتخفيف الأعباء المالية على المنشآت القائمة والجديدة.
تعمل دول المنطقة على استقطاب الاستثمارات الصناعية، من خلال تقديم الحوافز الحكومية والإعفاءات، وفق برامج ورؤية واضحة، ربما أثرت سلباً على برامج التوطين، وتحقيق مستهدفات التنوع الاقتصادي، برغم توافر الفرص النوعية في السوق السعودية. لذا كان من المهم العمل وفق رؤية إستراتيجية تأخذ في الاعتبار التنافسية الإقليمية، والعالمية، وأهمية تحقيق مستهدفات الرؤية، من خلال محفزات حكومية، يمكن تصنيفها ضمن العوائد الاقتصادية لا الإيرادات المفقودة. فالمنفعة المتأتية من إلغاء المقابل المالي في القطاع الصناعي، تفوق منفعة الإيرادات المتوقع تحصيلها من رسوم العمالة. فإيرادات المقابل المالي محدودة، وربما تكون منقطعة في حال تقلص أنشطة القطاع، في الوقت الذي تحقق فيه قرارات تحفيز القطاع الصناعي، المنفعة المستدامة، وتعظم الأثر الاقتصادي، والإيرادات الحكومية مستقبلاً، وتسهم في تحقيق مستهدفات اقتصادية أخرى.
وزير الصناعة، بندر الخريف، أكد أن القرار يأتي امتداداً للدعم المستمر للقطاع الصناعي باعتباره ركيزة أساسية لتنويع الاقتصاد وفقاً لـ «رؤية المملكة 2030»، ومن شأن هذه الخطوة أن تسهم في تعزيز تنافسية الصناعة السعودية وزيادة انتشار الصادرات غير النفطية في الأسواق العالمية.
الوزير الخريف أورد بيانات مهمة، لانعكاس تحمل الدولة المقابل المالي خلال السنوات الست الماضية، وأداء القطاع الصناعي الذي حقق قفزات نوعية منذ إطلاق الرؤية؛ حيث ارتفع عدد المصانع من 8,822 إلى أكثر من 12 ألف مصنع، وزادت الاستثمارات الصناعية بنسبة 35 % لتصل إلى 1.22 تريليون ريال، ونمو الصادرات غير النفطية بمعدل 16%، والوظائف بنسبة 74% ليرتفع عدد الموظفين من 488 ألفاً إلى 847 ألف موظف، مع ارتفاع نسبة التوطين من 29% إلى 31%.
بيانات مهمة تبعث على التفاؤل، وتؤكد النجاحات المتحققة، والأهمية الإستراتيجية للقطاع الصناعي، وقدرته على تحقيق عدد من مستهدفات الرؤية، وقفزات نوعية، لم تكن لتتحقق لولا الدعم والتحفيز الحكومي، والإدارة الحصيفة للقطاع، التي ساهمت في معالجة تحدياته، وتلمس احتياجاته، ووضع إستراتيجية بعيدة المدى لتعزيز دوره في الاقتصاد، وتحقيق مستهدفات الرؤية. يحسب للوزير الخريف معرفته بالتحديات التي يواجهها القطاع الصناعي، وقدرته على رصدها وتقديم رؤية شاملة وعملية لمعالجتها، مع توقع الانعكاسات الإيجابية على الاقتصاد، والتي تعين متخذ القرار على الإلمام بها، ومعرفة مآلاتها، وبالتالي اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجتها. إضافة إلى رؤيته الاستراتيجية، وفريق العمل، في تطوير المنظومة الصناعية، ومحاكاة برامج التطوير العالمية.
رفع تنافسية القطاع الصناعي وتعزيز منظومة الصناعة، هدف حكومي استراتيجي، يتطلب استمرارية الدعم والتحفيز، وبما يسهم في جذب مزيد من الاستثمارات الصناعية الأجنبية والمحلية، التي يرجى من خلالها تحقيق التنوع الاقتصادي، وتعميق القطاع وتوسيع قاعدته الصناعية. فمرحلة البناء، وتوسيع القاعدة الصناعية وجذب الشركات الأجنبية، أشبه بمرحلة الحضانة التي تحتاج إلى تهيئة البيئة المناسبة، وتوفير الرعاية والدعم الذكي، لفترة محددة، حتى اكتمال البناء، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية.
نقلا عن الجزيرة


