تواجه منظمة التجارة العالمية تحديات أغلبها سياسية منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكن يبرز أيضاً الجانب الاقتصادي التنافسي من حيث الإغراق وعودة الحمائية والحصحصة. تسهم هذه التحديات في تراجعها إلى حد ما، لكنه ليس الاختفاء من الساحة الاقتصادية. ويمكن القول إنه ضعف في أدائها، لكنه ليس إلى درجة الموت أو الفناء.
من أبرز نقاط الضعف، انخفاض الحصة التجارية تحت قواعد المنظمة والاتفاقيات المنصوص عليها منذ جولة الأوروجواي وبروز الاسم الجديد «WTO» وذلك في نهاية آخر يوم من ديسمبر 1994. بالطبع للمنظمة فوائد ومخاطر على الدول التي ليس لديها القوتين السياسية والاقتصادية. لقد صرحت المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية أن نسبة التجارة العالمية التي تُدار وفقًا لقواعد الـ «WTO» تراجعت إلى 72% بعد أن كانت حوالي 80% خلال مدة زمنية قصيرة. النظام الاقتصادي العالمي تقوده قيادة سياسية مضطربة منذ عقود وحان للبركان أن ينفجر، خاصة بين القوتين الاقتصاديتين، الولايات المتحدة، والصين، التي ظهرت كمنافس اقتصادي للغرب بزعامة الولايات المتحدة التي ينهكها التضخم والدين العام الذي بلغ حوالي 38.38 تريليون دولار حتى ديسمبر 2025م.
يتأثر مبدأ الدولة الأكثر تفضيلاً«Most Favored Nation»، بهذا التراجع في أداء المنظمة. لقد منحت الولايات المتحدة الصين مبدأ «الدولة الأكثر رعاية» -Most Favored Nation - MFN- الذي يعد مبدأً أساسياً في التجارة الدولية ومنظمة التجارة العالمية«WTO»، حيث ينص على أن أي امتياز تجاري «مثل تخفيض رسوم جمركية» تمنحه دولة لدولة أخرى يجب أن يُمنح فوراً ودون قيد لجميع الدول الأعضاء الأخرى في منظمة التجارة العالمية، مما يضمن معاملة متساوية وغير تمييزية بين الشركاء التجاريين ويحقق تجارة حرة ومنصفة. وهو يمنع التمييز ويطبق على التعريفات والتسهيلات، مع وجود استثناءات للمناطق التجارية الحرة والبلدان النامية. كان هدف الولايات المتحدة من هذا المبدأ الممنوح للصين تشجيعها على الانضمام للمنظمة، وكان ذلك في عام 2000م بالفترة الأخيرة لرئاسة بيل كلنتون. انضمت الصين لمنظمة التجارة العالمية في 2001م.
عادت بعض الدول مثل الولايات المتحدة إلى رسوم جمركية وإجراءات أحادية الجانب في صيغتها حمائية وغير تنافسية وغير عادلة. تشير تقارير في هذا الخصوص إلى أن فرض الولايات المتحدة لتعريفات جمركية مرتفعة يساهم بشكل كبير في اضطراب النظام التجاري العالمي. هذا النوع من السياسات يقلل من فعالية النظام متعدد الأطراف الذي تقوم عليه منظمة التجارة العالمية.
تتوقع المنظمة تباطؤ نمو التجارة العالمية وانخفاضًا في حجم تجارة البضائع في 2025 بنسبة 0.2٪، نتيجة لارتفاع الرسوم الجمركية وعدم الثقة في السياسات التجارية، وكذلك في نفس الوقت، هناك تحذير من «مخاطر سلبية خطيرة» إذا استمرت السياسات الحمائية أو تصاعدت الإجراءات التجارية الأحادية. تراجع نمو تجارة الخدمات في الربع الأول من 2025، وتباطأ نمو تجارة الخدمات إلى 5٪ على أساس سنوي، بحسب منظمة التجارة العالمية.. هناك ضغط من بعض الدول على المنظمة، حيث تستهدف الولايات المتحدة «تقويض» منظمة التجارة العالمية من خلال سياسات جمركية وضغوط أخرى تضعفها لترضخ لها. تشير التحليلات إلى أن النظام التجاري متعدد الأطراف يواجه «مهمة شاقة» و«صعبة» لإعادة دوره وسط هذه الاضطرابات. المحللون منقسمون بين من يقول أنها تحتضر ومن يقول أنها متماسكة وصلبة.
الخلاصة: يمكن القول إن هناك تراجعًا في تأثير منظمة التجارة العالمية في بعض الجوانب، منها «الحصحصة التجارية»، وتطبيق القواعد، وتأثير النظام متعدد الأطراف والتعامل مع قضايا الإغراق، لكن ليس تراجعًا كاملًا بمعنى «انهيار»، ولا تزال المنظمة تعمل، وبعض الأعضاء يرون إمكانية إصلاحها أو إعادة الهيكلة وتعزيزها.
نقلا عن صحيفة اليوم


