هبوط سعر سهم شركة المتحدة لصناعة الكرتون بعد بدء تداولها الأسبوع الماضي طرح تساؤلا مهما جداً عن أهمية النظر بجدولة الاكتتابات في السوق المالية بهذه المرحلة التي يشهد فيها العالم حالة عدم يقين في توجهات الإقتصاد العالمي بعد عاصفة الرسوم الجمركية التي فرضتها أميركا على العالم، وهبطت باسعار سلع مهمة مثل النفط لمستويات أعلى من 60 دولار اميريكي بقليل، وهو ما يهم الاقتصاد السعودي حيث تمثل ايراداته نسبة مهمة من دخل الميزانية التي تدعم تمويل المشاريع الاقتصادية، وقد قال وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان لفايننشال تايمز إن وتيرة الانفاق الحكومي ستستمر لدعم النمو وتنويع الاقتصاد مع إجراء تقييم لأولويات الانفاق لمواجهة تقلبات أسعار النفط والاضطرابات العالمية الناجمة عن الرسوم الجمركية.
وعلى جانب آخر، يشهد السوق طرح صكوك من قبل البنوك لتوفير سيولة لتلبية الطلب المتزايد على التمويل نتيجة للحالة الاقتصادية الإيجابية التي يمر بها الاقتصاد الوطني؛ فنمو الطلب على القروض يفوق نمو الودائع وفي ذات الوقت تشهد السوق المالية معدلات تداول منخفضة أصبحت مستقرة دون 5 مليارات ريال لأغلب ايام التداول بالأسابيع الماضية، ويلاحظ أن الشركات التي تحقق نتائج فصلية جيدة وترتفع أسعار أسهمها لا تستطيع المحافظة على هذه الارتفاعات وتتعرض لعمليات جني ربح سريعة، ولذلك تميز السوق حالياً بتوفر فرص استثمارية كبيرة فيه، لكن ضعف التداول هو العامل المقلق بالسوق فالسيولة هي عمق السوق الحقيقي كما ذكرت ذلك بمقال الاسبوع الماضي.
ولذلك يبرز عامل مهم من الضروري جداً أن يتم تحليله ووضع الخطط المناسبة له والمتمثل بزيادة السيولة في التداولات عبر عدة إجراءات من أهمها « إعادة جدولة الإكتتابات» حيث أدرج من بداية العام ست شركات إضافة إلى 13 شركة العام الماضي ليصبح عدد الشركات المدرجة بالسوق الرئيسي 234 شركة إضافة الى 19 صندوق ريت عقاري، أي المجموع 254 وهو رقم يتطلب تنشيط الحركة فيه أضعاف الرقم الذي يتداول حالياً؛ فكيف لسوق قيمته تقارب عشرة تريليونات ريال أن يكون التداول فبه لا يلامس 5 مليارات ريال يومياً، وبعض الأحيان يكون الرقم عند حدود 3 مليارات ريال إضافة لسوق نمو الذي تدرج فيه عشرات الشركات أي أن حجم السوق المالية السعودية أصبح ضخما، ويتطلب النظر بإجراءات تدعم تنشيط حركة التداولات فيه بشكل يعزز استقراره بعيداً عن التقلبات الحادة التي يمر بها هذه الأيام.
وبالعودة للشركة التي أدرجت مؤخراً المختصة بصناعة الكرتون فإن الملفت أن سعرها لم يحقق ارتفاعا كبيرا بعد الادراج ومسح تلك المكاسب في أول يوم تداول ليهبط بإقفال يوم الخميس بعد يومين من التداول بحوالي 10 بالمائة عن سعر الاكتتاب البالغ 50 ريالا ولتظهر بعد ادراجه بيومين نتائج الربع الاول لهذا العام بمفاجئة كبيرة حيث انخفض صافي الربح 46 بالمائة عن الربعين المماثل والسابق من العام الماضي، وطرح ذلك تساؤلا بالسوق عن غرابة إعلان النتيجة بعد بدء التداول للسهم حيث كان تقييمه عند مكرر 16 مرة وهو رقم جيد لنتائج سابقة، لكن بعد الاعلان الأخير فإن السوق يحتاج لتوضيح عن مستقبل الاسباب التي أدت لهذا التراجع الكبير بالارباح المتمثل بزيادة سعر المواد الخام، فهل ستستمر وكيف ستتحوط الشركة لها لكي يتم التمكن من وضع التقييم المناسب والسعر المستحق، ولكن يبقى التراجع عن سعر الاكتتاب فوراً هو الأهم حيث أصبح من الضروري النظر بتأثير الاكتتابات على السوق واهمية جدولتها بالفترة الحالية تماشياً مع حالة الأسواق المالية العالمية غير المستقرة للحفاظ على جاذبية الادراجات الجديدة؛ فالتغطية الكبيرة للاكتتابات حالياً صحيح أنها تشير لعامل إيجابي في ظاهرها لكن تراجع الأسعار بعد التداول ليس صحياً للسوق ودليل أن السيولة التي تكتتب تخرج بشكل سريع جداً لتركز على اي اكتتاب أخر خصوصاً ان تغطية المؤسسات بمرحلة بناء سجل الأوامر هي طلبات وليست سيولة تدفع حيث يتم دفع الأموال بعد التخصيص.
الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة استثنائية سلبية وأكبر البنوك المركزية بالعالم وأولها الفيدرالي الامريكي غير قادرين على تحديد اثر الرسوم الجمركية والحرب التجارية القائمة بين اكبر اقتصادات العالم بالفترة القصيرة القادمة، ولذلك فإن أسواق المال تعكس هذه الحالة بتقلبات حادة وعدم استقرار بالاتجاه مما يتطلب مواكبة دقيقة لهذه المرحلة الحساسة في إعادة النظر بالكثير من الاجراءات التي تحتاجها السوق المالية لجذب السيولة له ودعم استقرار حركته ومن بينها اعادة جدولة طلبات الاكتتابات وفق دراسات عميقة اقتصادية ومالية كلية تناسب ظروف الاقتصاد العالمي وأسواق المال والسلع غير المستقرة.
نقلا عن الجزيرة
السوق بحاجة إلى "إعادة ضبط" لا إلى إدراجات جديدة.///الدرس من سهم "الكرتون": الاكتتابات غير المدروسة تُضعف ثقة المستثمرين وتُفاقم تقلبات السوق.///السيولة هي دم السوق.. والاكتتابات المتعجلة سبباً لنزيفه.
احسنت دكتور وممكن يكون عنوان المقال دراسة جدوى الاكتتابات اصبحت ضرورة