العدالة في توزيع الدخل ضمن برامج الخصخصة

15/08/2025 0
عبدالرحمن النفيسة

في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية 2030، والتي تضم تحت مظلتها عشرة برامج رئيسية مثل برنامج التحول الصناعي وبرنامج التحول الصحي، يظل برنامج التخصيص واحدًا من أبرز هذه البرامج، وإن لم يحظَ بعد بما يستحقه من اهتمام إعلامي، رغم كونه من أهم الأدوات لتحقيق التحول الاقتصادي المنشود، فهذا البرنامج اشتهر بسبب خصخصة بعض الأندية الرياضية، نتيجة الزخم الإعلامي الذي رافق إطلاق خصخصة القطاع الرياضي، لكنه يمتد ليشمل قطاعات استراتيجية تمس جوهر حياة المواطن اليومية، مثل التعليم، الصحة، المياه، الخدمات اللوجستية، وحتى الدفاع. وهذا الاتساع في نطاق البرنامج يجعله حجر زاوية في جهود المملكة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل، عبر إشراك القطاع الخاص في تمويل وتشغيل المشاريع العامة بما يضمن الكفاءة والاستدامة.

ومن الضروري عند الحديث عن الخصخصة في المملكه التمييز بين نوعين رئيسيين. الأول هو الخصخصة الكاملة، حيث تنتقل ملكية الأصل أو المرفق من الدولة إلى القطاع الخاص بالكامل، كما في بعض مشاريع الأندية الرياضية. أما النموذج الثاني، والأكثر شيوعًا، فهو نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، والذي يُعد ركيزة أساسية في تنفيذ مشاريع التخصيص في المملكة. ويقوم هذا النموذج على مبدأ التوازن في توزيع المخاطر بين القطاعين، من خلال آلية تنافسية تتيح للمستثمرين التقدم لتنفيذ مشاريع محددة، مثل مشاريع BOT (البناء، التشغيل، ثم نقل الملكية)، والتي تسمح للمستثمر بتمويل وبناء المشروع وتشغيله لفترة معينة قبل أن يُعاد إلى الدولة.

ووفقًا لـ نظام التخصيص السعودي ولائحته التنفيذية، فإن برنامج التخصيص لا يهدف فقط إلى تقليل الأعباء المالية عن كاهل الدولة أو زيادة الإيرادات، بل يتجاوز ذلك إلى أهداف تنموية أعمق مثل تحسين جودة الخدمات، وتعزيز كفاءة الإنفاق، وتحفيز مشاركة القطاع الخاص، وتوسيع نطاق التملك الشعبي للأصول الحكومية. وقد نصّت المادة الثالثة من النظام بوضوح على هدف “توسيع نطاق مشاركة المواطنين في ملكية الأصول الحكومية”، وهي نقطة بالغة الأهمية ترتبط مباشرة بمفهوم العدالة في توزيع الدخل.

الخصخصة، في جوهرها، تُحدث تحوّلًا في ملكية الأصول العامة من الدولة إلى جهات خاصة، ما قد يُثير تساؤلات مشروعة حول تأثير هذا التحوّل على توزيع الثروة بين فئات المجتمع المختلفة. وهنا تظهر أهمية الإطار التنظيمي الذي اعتمدته المملكة، والذي ينص بوضوح على ضرورة ضمان العدالة والشفافية والمنافسة النزيهة في جميع مراحل التخصيص. إذ تؤكد اللائحة التنفيذية لنظام التخصيص أن “العدالة” مبدأ أصيل، ويقصد به المعاملة الموضوعية والحيادية لجميع المتنافسين، مع تمكين الجميع من الوصول المتكافئ إلى المعلومات.

كما تضمن النظام عدم إساءة استخدام السلطة الاقتصادية في حالات التخصيص الكامل، حيث نصّت المادة 30 من النظام على أن حقوق الطرف الخاص لا تُعد ممارسة احتكارية ما لم تتجاوز الضوابط النظامية أو تُستخدم للإضرار بالمستهلك، مما يعزز مبدأ حماية المنافسة ويمنع تركز الأصول بيد فئة محدودة. وفي السياق ذاته، تُلزم المادة 23 الطرف الخاص بأن يعامل جميع المستفيدين من الخدمة أو المشروع المخصخص بمساواة تامة، ودون تمييز، وهي خطوة مهمة لضمان عدم تهميش أي فئة اجتماعية، أو الإضرار بحقوق ذوي الدخل المحدود في الحصول على الخدمة.

ومن هنا، فإن العدالة في توزيع الدخل ضمن برامج الخصخصة لا تُبنى فقط على نتائج السوق، بل تُصاغ من خلال التشريعات الحاكمة، وآليات الرقابة، وخيارات التمكين الشعبي. وقد وُفقت المملكة في صياغة هذا التوازن عبر تمكين المواطنين من تملك أسهم في الشركات المطروحة للخصخصة، وضمان مشاركة واسعة في العوائد، وتحفيز الإدخار طويل المدى، بما يحول المواطن من مجرد مستهلك إلى شريك ومساهم.

يدير المركز الوطني للتخصيص، التابع لوزارة المالية، هذا التحوّل بكل أبعاده القانونية والفنية، وهو الجهة المخولة بتحديد الفرص المؤهلة للتخصيص، وفق معايير محددة من بينها القيمة المالية للمشروع، ومدته، ومساهمته في خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. ويمتلك المركز حاليًا واحدة من أكبر المحافظ الاستثمارية الحكومية في العالم بقيمة تتجاوز 600 مليار ريال، تشمل أكثر من 200 مشروع بين منفذ وتحت الطرح وقيد الدراسة، بما يعكس حجم التحوّل الذي تقوده الدولة في هذا المجال.

وإذ تسير المملكة بخطى واثقة نحو بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة، فإنها تراهن على الخصخصة ليس فقط كأداة لنقل العبء المالي إلى القطاع الخاص، بل كرافعة لتحقيق عدالة اجتماعية واقتصادية أوسع، من خلال تمكين المواطنين، وتحفيز الاستثمار، وضمان بيئة خدمات عادلة ومنظمة، يشارك فيها الجميع في الملكية والعائد والتنمية.

 

 

خاص_الفابيتا