الارتقاء بالمرونة لتعزيز مستقبل المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية

06/08/2025 0
دال بهاتي

"من المتوقع أن يحقق قطاع الإنشاءات في المملكة العربية السعودية نمواً بمعدل سنوي يبلغ 5.4% بحلول عام 2029، وفقاً لتقرير شركة مارش حول تحديث سوق الإنشاءات للربع الأول من العام الجاري".

تمثل المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية إحدى الركائز الأساسية في إطار رؤية السعودية 2030، وذلك لكونها مشاريع جريئة وطموحة وتحولية. وتتصدّر المملكة دول المنطقة من حيث نفقات البنية التحتية بفضل المشاريع الإنشائية الجارية التي تبلغ قيمتها 1.25 تريليون دولار أمريكي. وتساهم هذه المشاريع في إعادة رسم المشهد الاقتصادي والاجتماعي في السعودية، بدءاً من الأعمال المتنوعة في مشروع نيوم ووصولاً إلى بوابة الدرعية ومشروع البحر الأحمر. كما تعكس رؤية وطنية واسعة تهدف إلى تنويع الاقتصاد واستقطاب السياحة والاستثمار والابتكار العالمي.

ضرورة جديدة لمواجهة المخاطر وتعزيز المرونة

كان قطاع الإنشاءات أفضل القطاعات أداءً في شهر مايو، وفقاً لأحدث مؤشر لمديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض، وذلك رغم تباطؤ وتيرة إقامة المشاريع العملاقة. وشهد معدل خلق فرص العمل الارتفاع الأسرع منذ أكثر من 10 سنوات، ويأتي ذلك نتيجة التحسن في أوقات التسليم والمبيعات العالية. ووصلت توقعات الأعمال لأعلى مستوى لها خلال 18 شهراً، حيث عمدت الشركات إلى توسيع فرق العمل وزيادة الاستثمار. وتعكس هذه المؤشرات الجهود المستمرة في القطاع واستعداده لتحقيق النمو، حتى مع تراجع المشاريع الكبيرة. وتستلزم هذه البيئة إعادة التفكير في كيفية تخطيط المشاريع وتمويلها وحمايتها، إذ يوضح التقرير العالمي لمخاطر الإنشاءات لعام 2025 من شركة مارش أن التقلبات المالية تتصدر قائمة المخاوف للمقاولين على مستوى العالم، وقد أشار إليها أكثر من 28% من المشاركين في التقرير. وتمثل القيود على الإمكانات مشكلةً شائعة، حيث أشار 74% من المشاركين إلى وجود صعوبات في تحقيق أهداف التسليم. ومع ذلك، أفاد 34% فقط من المقاولين على مستوى العالم باستخدامهم للحد الأقصى من الضمانات بكفاءة عالية أو بكفاءة عالية جداً، وهو ما يمثل فرصة ضائعة في السوق الحالية التي تركز على رأس المال.

وتستجيب شركات التأمين في منطقة الهند والشرق الأوسط وأفريقيا لاحتياجات المشاريع المعقدة، حيث يقوم عدد متزايد من شركات إعادة التأمين العالمية بتوفير تغطية لعيوب التصميم من الفئة الثالثة المعتمدة من مجموعة لندن الهندسية في قطاعات عدة، مثل العقارات والبتروكيماويات اللذين يمثلان إضافة جديدة مقارنةً بالأرباع السنوية الماضية. كما انخفضت معدلات تأمين مسؤولية أصحاب العمل بنسبة 10%، بينما تحافظ الأسواق على مستوياتها التنافسية بشكلٍ عام. وتعتمد هذه البيئة الملائمة على المشاركة المبكرة في السوق والإفصاح الشامل عن معلومات مخاطر المشروع.

وتتنامى أهمية التأمين بصفته محركاً للاستثمار، حيث أصبحت الحماية مثل تأمين تأخير بدء التشغيل وسندات الأداء ضرورية لتأمين التمويل في السعودية، التي تنتشر فيها المشاريع التي تعتمد على جهة مقرضة. وقد تنشأ بعض الصعوبات في استقطاب رأس المال أمام المشاريع التي تفتقر إلى خطة تأمين قوية أو لا تتمكن من إعلان المخاطر بصورة واضحة وشفافة.

كما تنطبق هذه المنهجية الواعية بالمخاطر على رأس المال البشري أيضاً، إذ ما تزال تحديات نقص العمالة والاحتفاظ بالموظفين من المخاوف والشواغل الرئيسية. وتتخطى الفجوات في المواهب مجرد كونها عقبات تشغيلية، إذ تؤثر على السلامة والجداول الزمنية وثقة المستثمرين. وعادةً ما تكون الشركات التي تستثمر في تطوير القوى العاملة وتحسين مستويات الرفاهية وتعزيز القدرات القيادية في وضع أفضل يتيح لها تنفيذ البرامج المعقدة.

وضع الركائز الأساسية لتسليم المشاريع وفق منهجية مستدامة

يتعين على شركات التطوير العقاري الاستعداد لتلبية المتطلبات طويلة الأمد، إلى جانب قصيرة الأمد أيضاً؛ فقد أصبحت الاستدامة والمرونة المناخية والمخاطر الرقمية من الركائز الرئيسية من جدوى المشروع في الوقت الراهن. كما أوضح البحث الذي أجرته شركة مارش أن 74% من المقاولين لديهم مخاوف بشأن المخاطر المتعلقة بالمناخ، مع اعتماد أقل من ثلثهم على النمذجة المتقدمة. وأصبح الاستعداد لمواكبة الظروف المناخية من المتطلبات الرئيسية، في ظل الحرارة الشديدة والإجهاد المائي والتوسع الحضري السريع في المنطقة.

كما تلعب التكنولوجيا دوراً هاماً في تغيير مشهد المخاطر، حيث تتزايد التهديدات السيبرانية مع تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ومنصات الحوسبة السحابية في المشاريع. ويشير الارتفاع في هجمات التصيد الاحتيالي وبرامج الفدية واختراقات البيانات إلى ضرورة وجود تأمين سيبراني متكامل وحوكمة فعالة وخطط استجابة حصيفة.

وعلى الرغم من هذه التحديات، يحافظ القطاع على توقعات إيجابية على المدى الطويل. وورد في تقرير شركة مارش حول تحديث سوق الإنشاءات للربع الأول من العام الجاري توقعات بتحقيق قطاع الإنشاءات في السعودية نمواً بمعدل سنوي يبلغ 5.4% بحلول عام 2029، مدفوعاً بجهود تطوير البنية التحتية والإسكان والاستعدادات للفعاليات العالمية البارزة. ويتطلب الحفاظ على هذا المستوى من النمو اتباع منهجية أكثر انضباطاً وإدراكاً للمخاطر.

ويؤكد ذلك على ضرورة التواصل المبكر مع الاستشاريين والتخطيط المسبق للقوى العاملة ومخزون المواد، إلى جانب دمج الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة والاستعداد للظروف المناخية منذ المراحل الأولى للمشروع. كما يركز ذلك على الاستثمار في المهارات ودمج التأمين والبيانات في خطة المشروع منذ البداية.

ولا يجب أن يُعتبر التباطؤ هذا العام على أنه انتكاسة، بل دليلاً على النضج. وتحافظ المملكة على تطلعات رؤية السعودية 2030، التي يمكن تنفيذها بشكلٍ ملهم ومرن عند تطبيق الاستراتيجيات والشراكات والأدوات الصحيحة.

 

 

خاص_الفابيتا