عندما يفشل الردع بين باكستان والهند تبقى الحكمة السعودية

12/05/2025 0
د. محمد آل عباس

طالما توجد مصالح مشتركة ومتضاربة بين البشر، فإن الصراع أمر لا مفر منه، وهنا نقطتي طرف في الصراع فهناك الصراع المحض، الذي تتعارض فيه مصالح البشر تعارضا كاملا، وهناك في الطرف الآخر حيث لا يوجد الصراع، حينما يحقق كل طرف كامل مبتغاه بلا تعارض؛ كخطين مزدوجين لا يلتقيان أبدا، وبين هذين الطرفين يظهر الصراع بأشكال ونماذج مختلفة كتفاوض ومساومة ومنافسة، الأصل في العلاقات الإنسانية أن يظهر الصراع في أحد الأشكال التي بين الطرفين، ومُعظم مواقف الصراع تفاوض بحيث يعمل كل طرف على تحقيق غاياته وفقا لما يتملكه من قوة ووسائل إقناع وضغط مع إدراك كل ما يريده ورحم الله امرأً عرف قدره نفسه.

وقد تكون المُساومة صريحة، لفرض تنازل الطرف الآخر عن موارد أو حقوق أو إخلاء منطقة وقد تنطوي المساومة على تهديدات بإلحاق الضرر، وإذا كان التفاوض والمساومة يتطلبان حوارا فإن المنافسة في أقصى الطرف قبل اختفاء الصراع تظهر بدون حوار ولا قنوات اتصال تاركة المجال للمهارات، والقدرة على التحمل مع محل الحوار المباشر كمثل حرب الأسعار.

في مسارات الصراع هناك منطقة للردع، وهي التي تشبه المطبات الصناعية قبل الوصول إلى المنعطف، وكمكابح القوى قبل أن تدمر كل ما حولها. عندما يصل الطرفان في الصراع إلى أقصى الطرف وينعدم الحوار مع تعارض المصالح فهذا معناه أن كل مكابح القوى والردع قد فشلت ولم يبق إلا الصراع المحض كطرفين متعارضين تمامًا، عندها فقط تصبح الحرب نتيجة حتمية، ويسعى كل طرف إلى تدمير الآخر ولو تسبب في تدمير ذاته، لا منجى للعالم من مرحلة خطيرة كهذه إلا عندما تحضر الحكمة والتعقل والثقة بين الطرفين، ولا يحدث ذلك إلا إذا تدخل طرف ثالث له كل تلك الأدوات السياسية مع ما يتمتع به من ثقة بين الطرفين.

ومن هنا لعل ما حدث بين الهند وباكستان أخيرا هو الوصول بالصراع القديم بينهما إلى منعطف خطر مع فشل كل أدواتهما للردع لتشتعل الحرب بين ليلة وضحاها. ومع سجل تاريخي من الصراع الطويل فإن العالم في أشد حالات التوتر من الانزلاق نحو الحرب النووية التدميرية، مالم يتدخل الحكماء في العالم لدفع الطرفين لمسارات العقل والصراع التفاوضي الحميد مرة أخرى.

وهذا هو الدور الذي تكفلت السعودية بالقيام به، خاصة أن لها رصيد من الثقة بين حكومتي البلدين وثقة حقيقية في نوايا السعودية الصادقة في دفع الطرفين لحوار تفاوضي يجنب العالم والمنطقة وبلا ذنب قد تكون الأكثر دموية منذ عقود طويلة، لقد أدت دورها وهي مدركة لحجم الصراع القائم والتاريخي ولذا سعت فورا بالعودة إلى المفاوضات وأسهمت الاتصالات والمساعي الحميدة التي بذلتها السعودية في وقت قياسي جدًا في نزع فتيل الأزمة وخفض التصعيد بين الجانبين انطلاقًا من ثقة الأطراف المتنازعة بمكانة السعودية ودورها المحوري في ترسيخ الأمن والاستقرار.

لقد شهدنا جميعا كيف أدركت السعودية من اللحظات الأولى انزلاق الطرفين للنزاع المحض لهذا، بدأ وزير الخارجية ومنذ وقت مُبكّر دورًا أساسيًا في دفع الطرفين للتحلي بأعلى درجات ضبط النفس وكانت السعودية هي الدولة الوحيدة التي أرسلت مبعوثا خاصا لزيارة البلدين والالتقاء بالقيادتين السياسيتين لتغليب صوت الحكمة وإسكات أصوات البنادق، وهو ما تكلل ولله الحمد في إعلان البلدين إنهاء التصعيد العسكري والالتزام بالتهدئة.

ولأن مصداقية السعودية كدولة راعية للسلام دوما هي المحك الرئيسي في قبول دعوات الحوار بين الطرفين وترك الصراع المحض، لذا جاء إعلان كل من الباكستان والهند عن تقديرهما لجهودها تلك في خفض التصعيد بين الجانبين، فهي الدولة التي تدرك عمق الصراع بين الطرفين وعمق المشكلة وترى أن الحل لها لن يكون وفقا لمنطق القوة ولا حتى لغة المساومة، بل بمنطق الحوار التفاوضي المفتوح، الذي يزيل عند كل طرف مخاوفه من الطرف الآخر ويسمح بالوصول إلى حل عادل للقضايا بين الطرفين.

 

 

نقلا عن الاقتصادية