يأتي قرار الدول الأعضاء في مجموعة "أوبك بلس"، والتي تضم كلاً من المملكة العربية السعودية، وروسيا، والعراق، والإمارات، والكويت، وكازاخستان، والجزائر، وسلطنة عُمان، في اجتماعها المنعقد بتاريخ 3 مايو الجاري، إجراء تعديل في إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يوميًا خلال شهر يونيو 2025، استنادًا إلى مراجعة أوضاع السوق البترولية الحالية وتوقعاتها المستقبلية، التي من بينها انخفاض مستويات المخزونات العالمية، ويأتي البيان الصادر عن وزارة الطاقة السعودية بخصوص قرار رفع الإنتاج من قبل الدول الأعضاء المشاركين في مجموعة أوبك بلس المذكورين، تأكيدًا وتجسيدًا لالتزامهم باستقرار السوق البترولية، واستنادهم إلى المعطيات الأساسية الإيجابية للسوق البترولية العالمية.
يُذكر بأن مجموعة أوبك بلس قد سبق لها وأن أعلنت في الماضي عن تعديلات تطوعية إضافية في شهري أبريل ونوفمبر من عام 2023، وامتدادًا لتلك التعديلات، واستنادًا إلى ما تم الاتفاق عليه في اجتماع المنظمة المنعقد في 5 ديسمبر 2024 بشأن الاستعادة التدريجية والمرنة لتعديلات الإنتاج التطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا اعتبارًا من الأول من أبريل 2025، تم الاتفاق على رفع الإنتاج من قِبل الأعضاء المشاركين في المجموعة.
ووفقًا للاتفاق على زيادة الإنتاج للدول المشاركة في مجموعة أوبك بلس، سيكون حجم الإنتاج المطلوب لشهر يونيو 2025 على النحو التالي (بالآلاف من البراميل يوميًا): المملكة العربية السعودية – 9,367، روسيا – 9,161، العراق – 4,086، دولة الإمارات العربية المتحدة – 3,092، دولة الكويت – 2,466، كازاخستان – 1,500، الجزائر – 928، وسلطنة عُمان – 775، وأشار بيان الوزارة، إلى أن هذه الزيادات قابلة للتعديل أو الإيقاف مؤقتا، بحسب متغيرات السوق، مما يمنح المجموعة المرونة اللازمة لدعم استقرار السوق، كما وأكدت الدول على أن هذا الإجراء يتيح فرصة لتسريع خطط التعويض الخاصة بالدول المشاركة، كما وجددت الدول الثماني التزامها الكامل بإعلان التعاون، بما في ذلك التعديلات التطوعية الإضافية المتفق عليها في الاجتماع الثالث والخمسين للجنة الوزارية المشتركة لمراقبة الإنتاج المنعقد بتاريخ 3 أبريل 2024، مؤكدة على عزمها تعويض كامل الكميات الزائدة في الإنتاج منذ يناير 2024.
برأيي، إن قرار الدول الأعضاء المشاركين في مجموعة أوبك بلس برفع حجم الإنتاج يُعد قرارًا صائبًا وحكيمًا وفي توقيته المناسب، ليس فقط استنادًا إلى المعطيات الإيجابية التي تعكسها مراجعة أوضاع السوق البترولية العالمية، بل أيضًا من منظور استراتيجي يهدف إلى الحفاظ على الحصص السوقية للدول الأعضاء، حيث يتفق العديد من المحللين والمراقبين على أن بعض الدول من خارج مجموعة أوبك بلس قد استغلت التخفيضات، سواء المتفق عليها أو الطوعية، لتعزيز حصصها السوقية على حساب دول المجموعة، مما يجعل من الصعب لاحقًا استعادة تلك الحصص المفقودة، خصوصًا إذا ما ارتبطت هذه الدول بعقود طويلة الأجل مع الدول المستوردة لنفوطها.
كما أن ظروف ومتطلبات التنمية بدول مجموعة أوبك بلس سواء بالمملكة العربية السعودية وبغيرها، فرضت الحاجة إلى إعادة النظر في حصص الإنتاج، وبالذات في ظل تراجع أسعار النفط العالمية حيث هبطت أسعار العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم يوليو بنسبة 2.1 % أو ما يعادل 1.29 دولار إلى 60 دولار للبرميل، بعدما لامست 58.50 دولار.، فيما تراجعت أسعار العقود الآجلة لخام "نايمكس" الأميركي تسليم يونيو بنسبة 2.35% أو 1.37 دولار عند 56.92 دولار للبرميل، بعدما لامست 55.30 دولار.
كما أن الإيرادات الحكومية في المملكة لا تزال تَعتمد بشكل رئيسي على النفط، وبالتالي مع انخفاضها وانخفاض الكميات قد يواجه الاقتصاد السعودي ضغوطًا في تلبية الميزانية العامة التي تعتمد على الإيرادات النفطية وغير النفطية، كما أن الإنفاق الحكومي على المديين المتوسط والطويل قد يتاثر سلبًا في حال استمرار خفض حصص الإنتاج، بالتزامن مع تراجع أسعار النفط إلى مستويات أدنى من تلك التي تتطلبها احتياجات التنمية، ويزداد هذا التحدي وضوحًا في ظل توسع المملكة في تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى المرتبطة برؤية السعودية 2030، ما قد يضطر الحكومة إلى اللجوء إلى الاحتياطيات المالية لسد الفجوات التمويلية خلال فترات انخفاض الأسعار والكميات معًا، ورغم توفر هذا الخيار، إلا أنه لا يُعد مفضلًا، حرصًا على الحفاظ على متانة وقوة الاحتياطيات التي تُعد ركيزة أساسية للاستقرار المالي، وقوة الاقتصاد والعملة المحلية.
أخلص القول؛ إن قرار الدول المشاركة بمجموعة أوبك بلس برفع الإنتاج، يُعد قرار سليم وناجع وبالذات في حال استمرار انخفاض أسعار النفط العالمية، مما قد يتسبب على المديين المتوسط والطويل في الضغط على الماليات العامة للدول الأعضاء، ويتطلب تفاديًا لأية تاثيرات مالية سلبية، قد يدفع بالدول الأعضاء بالمجموعة إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم الإنتاجية، لتعزيز حصص الإنتاج والوصول إلى مستوى اسعار مستقرة لصالح اقتصادات دول المجموعة والاقتصاد العالمي، بما في ذلك المنتجين والمستهليكين داخل وخارج مجموعة دول أوبك بلس.
نقلا عن الرياض