إنه الاقتصاد يا غبي

24/04/2025 0
أيمن مؤمن

لطالما كان ومازال الاقتصاد عصب حياة الناس و لتقدم الأُمم حجر الأساس، فقد أدت العبارة الشهيرة التي صاغها الإستراتيجي السياسي جيمس كارفيل "إنه الاقتصاد يا غبي" كشعار لحملة بيل كلينتون الانتخابية عام 1992م، إلى فوز الرئيس الأميركي الأسبق بِـل كلينتون على الرئيس جورج بوش الأب الذي عانت الولايات المتحدة في عهده من ركودٍ اقتصادي بسبب تركيزه على الأمور العسكرية على حساب الاقتصاد والمواطن الأمريكي، الطريف أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، استخدم هذا الشعار في مناظرات الانتخابات الأخيرة، وفاز بكرسي الرئاسة بالاعتماد على الاقتصاد وبرنامجه الاقتصادي لأن هذا الملف هو ما يهم الناخب الأمريكي دون غيره من الملفات الأخرى.

ولأن كلام الانتخابات "مدهون بزبدة يطلع عليه النهار يسيح"، فبعد أن تولى مقاليد الحكم بات ينتهج سياسة مُرعبة وغير عقلانية في إدارة الاقتصاد الأكبر على وجه الكرة الأرضية، واهتزت صورة دولة المؤسسات أمام العالم، الأمر الذي خلق أزمة ثقة بين الولايات المتحدة وأقرب حلفائها، مع إطلاق شرارة الحرب التجارية.

ترامب يُغامر ويقامر ويلعب بالنار في الاقتصاد لحسم الصراع على امتلاك المستقبل، الذي يبدو في ظاهره صراعًا تُجاريًا ولكنه في حقيقة الأمر صراع على من يقود ويحكم العالم، صراع بين روسيا الماضي وأمريكا الحاضر والصين المستقبل.

الصين التي أصبحت منارة تنموية تهتدي بها دول العالم الثالث التائه اقتصاديا، يتمدد نفوذها في النظام الاقتصادي العالمي ويتعاظم بشكلٍ سريعٍ منذ الثمانينات، بفضل التحسن المستمر للهيكل الصناعي في الاقتصاد، لتتخطى العديد من الدول المتقدمة مثل ألمانيا واليابان وفرنسا وبريطانيا، وتُضيق الفارق بينها وبين بلد العم سام عاما بعد عام، وتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بقيمة قرابة 19 تريليون دولار بعد أمريكا التي يبلغ حجم اقتصادها نحو 29 تريليون دولار، وتشكل كابوسا للعم سام الذي تغير هيكل اقتصاده من الصناعة إلى الخدمات.

كفة الميزان التجاري بين العملاقين تميل في اتجاه الصين بفارق حوالي 300 مليار دولار، حيث تستورد الولايات المتحدة الأمريكية نحو 440 مليار دولار من السلع الصينية، وتُصدر بقيمة 144 مليار دولار إلى الصين، الأمر الذي يوضح مدى اتكاء الفيل الأمريكي على التنين الصيني.

الهدف من هذه الحرب إجبار التنين الصيني على الجلوس على الطاولة للتفاوض حول شكل النظام العالمي الجديد، قبل أن يتربع التنين على عرش الاقتصاد العالمي، ويصبح القوة الاقتصادية الأكبر في الأرض دون منازع، خلال بضع سنوات وفقًا لكثيرٍ من التوقعات الجازمة.

يبدو أن التنين الصيني أقوى مما نتصور، وكان مستعداً وجاهزاً لهذه اللحظة، ولجميع السيناريوهات المحتملة بما فيها التصعيد العسكري في بحر الصين الجنوبي -حرب بالوكالة على غرار الحرب الروسية الأوكرانية- وهو ما ظهر جلياً على ردوده وتحركاته المتزنة ومناطحة الفيل الأمريكي رأسًا برأس، منذ إشعال فتيل الأزمة وحتى الآن.

في رأيي المتواضع، إن رسوم ترامب بمثابة حبل المشنقة حول رقبة الدولار، وكتبت بداية نهاية الهيمنة والزعامة الأمريكية، والعالم الآن في مرحلة مخاض لولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب سيكون للتنين الصيني فيه اليد العليا كقوة عظمى عالمية، قادرة على إيلام الولايات المتحدة الأمريكية. وسيعُض ترامب أصابعه ندماً على أنه غامر وقامر بالاقتصاد بدلاً من أن يعمل حقاً بالشعار الذي استخدمه لدغدغة مشاعر الناخبين "إنه الاقتصاد يا غبي".

 

 

خاص_الفابيتا