يسير مجال التقنية المالية أو ما يسمى بالـ"Fintech"، في المملكة، بخُطى سريعة، ويتمدد ويتوغل ويستمر في تحقيق معدلات نمو أكبر في عدد العملاء والمستفيدين يومًا بعد الآخر، في بلد تجاوز عدد سكانه 35 مليون نسمة غالبيتهم من الشباب، تمثل التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من أسلوب حياتهم، لذلك يوجد طلب متزايد على الخدمات واﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺮﻗﻤﯿﺔ، خاصة بعد جائحة "كورونا".
بنهاية العام الماضي وصل عدد شركات "الفنتك" المسجلة في السعودية إلى 60 شركة، تركز بشكل أساسي على قطاع الأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال تقديم حلول مالية ابتكارية، توفر الوقت والتكلفة، ومنتجات وخدمات تنافسية مختلفة أبرزها التمويل والإقراض الجماعي وخدمات المدفوعات، والتمويل الشخصي.
كبرى شركات الاتصالات في السعودية، أدركت جيداً أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن المستقبل سيكون لهذا القطاع الواعد، فدخلت على خط المنافسة، لإضافة مصدر جديد لإيراداتها مُستغلةً عدد المشتركين الضخم لديها والذي تخطى حاجز الـ46 مليون مشترك بنهاية عام 2020.
قبل نحو ثلاث سنوات أسست شركة "إس تي سي" شركة المدفوعات الرقمية السعودية "STC Pay" والتي كانت أول شركة "فنتك" مرخصة في المملكة، بعد أن وافق مجلس الوزراء الشهر الماضي، على تحويلها إلى بنك رقمي محلي لمزاولة الأعمال المصرفية، إضافة للترخيص لـ"البنك السعودي الرقمي"، لتدخل السعودية بذلك رسمياً عصر البنوك الرقمية.
في خطوة أرى أنها ممتازة وفي مصلحة الطرفين، باعت "إس تي سي"، حصة من شركة "STC Pay"، إلى عملاق التحويلات المالية الدولية "ويسترن يونيون"، والذي يمتلك خبرة عريقة وشبكة فروع حول العالم، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد الأجانب المقيمين في السعودية نحو 13 مليون عامل بلغ إجمالي تحويلاتهم نحو 150 مليار ريال في عام 2020، فيما بلغت تحويلات السعوديين الشخصية حوالي 49 مليار ريال.
ربما كان أحد أسباب دخول شركة "الاتصالات السعودية" في مفاوضات جادة لشراء حصة في "فودافون مصر"، أن الأخيرة تستحوذ على أكبر حصة سوقية من المحافظ الالكترونية والمعاملات عبر الهاتف المتنقل بمصر، في الوقت الذي يبلغ فيه عدد المصريين العاملين في المملكة 2.5 مليون مصرى، ويبلغ عدد السعوديين المقيمين فى مصر نحو 500 ألف سعودي، ما بين طلاب ورجال أعمال ومهن أخري، إضافة إلى السياح السعودين الذين يزورون مصر سنويا ومن المتوقع أن يصل عددهم 1.8 مليون سائح بحلول عام 2024.
لم يمضي سوى عدة أشهر على قيام "الاتصالات السعودية" بتأسيس "STC Pay" حتى تبعتها "زين السعودية" في عام 2019، بتأسيس ذراعها المختص بالتقنية المالية، شركة "تمام للتمويل"، والتي حصلت مطلع هذا العام على أول ترخيص للتمويل الاستهلاكي المصغر في المملكة، لتُقدم خدمات تمويل مصغر وفوري للأفراد، ثم لحقتهما شركة "موبايلي" بتأسيس شركة "الاتحاد للمدفوعات الرقمية" في عام 2020، والبقية تأتي تباعاً في ظل توجه المملكة للتحول إلى وجهة للابتكار في مجال التقنية المالية، وتطوير الاقتصاد الرقمي.
لا شك أن قطاع الأفراد يعتبر الدجاجة التى تبيض ذهباً للبنوك السعودية، لأن نسبة المخاطرة فيه قليلة، ويستحوذ على نصيب الأسد من الإيرادات والتي تصل في بعض البنوك إلى أكثر من النصف، حيث بلغت أكثر من 66 % من إجمالي إيرادات "مصرف الراجحي" ونحو 60 % من إيرادات "بنك البلاد" و50 % من إيرادات "مصرف الإنماء"، خلال العام الماضي.
إن التحدى الأكبر للبنوك السعودية، يأتي من المنافسة القوية والمتزايدة من "الفنتك"، ما أجبرها على التحرك -وإن كان لا يزال بطيئاً- لتحسين خدماتها الضعيفة لقطاع الأفراد، ولعل آخرها إطلاق نظام الحوالات الفورية على مدار 24 ساعة.