مقدمة
ذكرنا في المقال السابق بأن الهدف الأساس لعملية الاستثمار هو تعظيم الأرباح بشكل يعود بالنفع على أصحاب المصالح، ولضمان استمرارية ونمو هذه الأرباح، فأن الشركات التي تستطيع تدويل أنشطتها دولياً لن تتردد في نقل خطوط إنتاجيها لبلد أجنبي للوصول إلى أسواق جديدة. يناقش هذا المقال أقسام الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الأسباب والدوافع من وراء الاستثمار في دول خارج حدود دولة الأم.
دواعي الاستثمار الأجنبي المباشر
تحدد الأدبيات الاقتصادية سببين رئيسين تدفع الشركات إلى الاستثمار خارج حدود دولة الأم، أحدها توسعي، والأخر دفاعي.
أولاً، أهداف توسعية
بشكل عام تتجه الشركات لغزو أسواق جديدة خارج نطاق حدود دولة الأم إلى تحقيق ارباح أكبر. هذا الهدف يتحقق عن طريق زيادة المبيعات أو تقليل التكاليف أو كليهما معاً. وتزيد إمكانية تحقق الأرباح في الأسواق الأجنبية، كلما خلت السوق من منافسين أو كان تواجدهم فيها ضعيفا.
ثانياً، أهداف دفاعية
قد تقوم بعض الشركات الأجنبية في الاستثمار خارج حدود دولة الأم بقصد حماية حصتها السوقية من المنافسين المحلين أو الأجانب. كما يلجأ البعض إلى إقامة مشروعاته الإنتاجية في بلد أجنبي لتحقيق مزايا تنافسية تتمثل في تخفيض تكاليف الإنتاج مثل العمالة والمواد الخام، مما يساعد الشركة على البقاء في السوق المحلي والعالمي. كما تسعى بعض الشركات للاستثمار الخارجي لتقليل التكاليف اللوجستية، وتخفيف مخاطر سلسلة الإمداد، وتعزيز المرونة في مواجهة الأزمات المستقبلية. كل هذه العوامل تدفع المستثمر الأجنبي المباشر لدخول أسواق عالمية جديدة، رغبة منه في تأمين وحماية مصالحه، وبالتالي تحقيق نسبة أعلى من الأرباح لحَمَلة أسهم هذه الشركات.
أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر
يمكن القول أن الاستثمار الأجنبي المباشر ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسة:
1. الاستثمار الباحث عن الأسواق (Market Seeking) الذي يهدف إلى خدمة السوق المحلي للدولة المضيفة للتقليل من بعض تكاليف المواصلات والرسوم الجمركية، والذي يعد بديلاً للعمليات التصديرية بين الشركة الأم والبلدان المضيفة. كما يسمي هذا النوع بالاستثمار الأجنبي المباشر الأفقي (Horizontal FDI) حيث تقوم الشركة الأم بإنشاء وحدات إنتاجية تابعة لها في بلد أجنبي لإنتاج نفس السلع والخدمات التي تُنتج في البلد الأصلي للشركة الأم. هذا النوع من الاستثمار الأجنبي كان حلاً مثالياً لتجاوز السياسات الحمائية التي اتبعتها بعض الدول النامية التي طبقت سياسة إحلال الواردات خصوصاً دول أمريكا الجنوبية. أغلب الشركات العاملة في مجال الخدمات و صناعة التجزئة هي من هذا النوع. فعلى سبيل المثال قيام شركة فورد للسيارات الأميركية بإنشاء مصانع لها في أوروبا للاستهلاك المحلي يقع ضمن هذه الفئة.
2. الاستثمار الباحث عن المصادر الطبيعية (Natural Resources Seeking) والذي يسعى إلى الحصول على الموارد الطبيعية الرخيصة التي لا تتوفر في دولة الأم للشركة، ومن ثم يسعى لاستغلال الميزة النسبية للدول المضيفة لاسيما تلك الدول الغنية بالمواد الأولية كالنفط والغاز والمنتجات الزراعية، والتي تتوفر في البلد المضيف ولكن لا تتوافر في بلد الأم. على سبيل المثال، الشركات العاملة في صناعة التعدين تقع ضمن هذه الفئة.
3. الاستثمار الباحث عن الكفاءة (Efficiency Seeking) تسعى الشركات الأجنبية من وراءه لزيادة كفاءتها الإنتاجية عن طريق تحويل جزء من خطوط الإنتاج لدول مضيفة تتمتع بميزة نسبية في تكاليف الإنتاج (الخامات، قوى العمل، والمنتجات الأولية الرخيصة). كما يطلق على هذا النوع بالاستثمار الرأسي (Vertical FDI) حيث تقوم الشركة الأم بتوزيع خطوط أو مراحل عملية الإنتاج على دول مضيفة مختلفة. فعلى سبيل المثال، الشركات الأجنبية التي تستثمر في الصناعات الإلكترونية في سنغافورة وتايوان تقع ضمن هذه الفئة.
4. الاستثمار الباحث عن أصول إستراتجية (Strategic Asset Seeking) يسعى إلى الحصول على أصول إستراتجية تكون ذات أهمية للشركة الأم في الأجل الطويل. فعلى سبيل المثال قيام المستثمر الأجنبي بالاستثمار في المناطق المتطورة مثل سيلكون فالي في كاليفورنيا للاستفادة من التكنولوجيا المستخدمة في هذه المناطق يدخل ضمن هذا التصنيف.
5. تقليل مخاطر الاستثمار. يُمّكن الاستثمار الأجنبي من التنوع في المحفظة الاستثمارية للشركة. من خلال الاستثمار في بلدان متعددة، تستطيع الشركات تقليل المخاطر المتعلقة بالسوق المحلي والتركيز على الأسواق العالمية.
6. الاستثمار الموجه للتجارة (Export-oriented FDI). الاستثمار الأجنبي المباشر الموجه للتجارة يظهر عندما لا تتوفر في البلد الأم أي مزايا نسبية (Comparative Advantages)، في حين يمتلك البلد المضيف مزايا نسبية. فعلى سبيل المثال، اليابان تفتقر للموارد الطبيعية، لذلك تسعى الشركات اليابانية للاستثمار المباشر في بلدان لديها وفرة الموارد الطبيعية.
خاص_الفابيتا