تعد الخدمات اللوجستية أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تعزيز الاقتصاد السعودي، وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، والتنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية في إطار رؤية المملكة 2030، إذ تعد الرؤية بمثابة خطة طموحة هادفة لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل القومي غير النفطي، وتطوير عدة قطاعات مختلفة. وذلك من خلال تقديم حلول لوجستية متقدمة ومبتكرة تدفع عجلة التقدم والابتكار، وتلبي تطلعات السوق، وتسهم في تحقيق أهداف التنمية الوطنية. حيث تبذل المملكة العربية السعودية جهوداً هائلة من أجل بناء اقتصاد قوي قادر على منافسة الاقتصادات الإقليمية، والعالمية على حد سواء، وذلك من خلال تحويل السعودية إلى قوة صناعية رائدة، ومركز عالمي للخدمات اللوجستية. وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، احتلت المملكة العربية السعودية المركز العاشر عالميًا في مؤشّر أداء الخدمات اللوجستية Logistics Performance Index (LPI) بفضل الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية، والتحسينات التنظيمية.
من أجل ذلك فقد وضعت وزارة النقل والخدمات اللوجستية استراتيجية طموحة هادفة إلى تطوير قطاع النقل والخدمات اللوجستية في السعودية لاسيما في ظل زيادة الطلب العالمي على الخدمات اللوجستية. إذ تعد الخدمات اللوجستية أحد أهم ركائز الاقتصاد العالمي إضافة إلى أنها تعزز من فرص نشاط الصناعة محليا وتدفق رؤوس الأموال عبر الاستثمار الأجنبي المباشر. ويشمل القطاع اللوجستي جميع الأنشطة اللازمة لنقل البضائع من المنتج إلى المستهلك، مثل النقل، التخزين، الشحن، التخليص الجمركي، أنظمة التمويل، التسليم السريع، وإدارة المعلومات والبيانات. ويعرف البنك الدولي "اللوجستيك" بأنه شبكة من الخدمات التي تسهم في حركة البضائع داخل الحدود وخارجها، حيث يُعد فنًا وعلمًا في إدارة تدفق البضائع، والطاقة والمعلومات من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك.
لذلك في هذه المقالة، سنلقي الضوء على أهمية الخدمات اللوجستية بصفة عامة من خلال تنويع الاقتصاد، وتعزيز التجارة الدولية، ومواجهة التحديات والصعاب المتوقعة. تواجه الخدمات اللوجستية في التجارة الدولية مجموعة متنوعة من التحديات التي تتطلب حلولاً مبتكرة، وتعاوناً دولياً لتحسين كفاءة وسرعة نقل البضائع، وترسيخ النمو الاقتصادي العالمي فهي تحديات تؤثّر بشكل مباشر على كفاءة وسرعة نقل البضائع بين الدول. أحد أبرز هذه التحديات هو التعقيدات الجمركية، والإجراءات البيروقراطية الطويلة التي يمكن أن تؤدي إلى تأخير كبير في تسليم الشحنات، وتكاليف إضافية بسبب اختلاف القوانين، واللوائح الجمركية من دولة لأخرى، مما يجعل من الصعب تحقيق التوافق والتناغم بين أنظمة الدول المختلفة، حيث وجد تقرير البنك الدولي لعام 2023 أن تحسين الكفاءة الجمركية يمكن أن يقلل من تكاليف التجارة بنسبة تصل إلى 15%.. إضافة إلى ذلك، تشكّل البنية التحتية المتفاوتة بين الدول تحدياً كبيراً، حيث تفتقر بعض الدول إلى الطرق والموانئ، والمطارات الحديثة التي تسهل حركة البضائع. كما تساهم البنية التحتية الضعيفة في زيادة التكاليف، والوقت اللازمين لنقل السلع، مما يؤثّر على القدرة التنافسية للشركات. وفقًا لتقرير المجلس العالمي للملاحة الجوية لعام 2023، تبلغ تكلفة تحسين البنية التحتية اللوجستية في الدول النامية حوالي 2 تريليون دولار. علاوة على ذلك تعد التقلبات في الأسعار العالمية للوقود عاملاً آخراً يؤثّر على تكلفة النقل والشحن، فارتفاع أسعار الوقود
يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن، مما ينعكس سلباً على أسعار المنتجات النهائية. ففي 2024، شهدت أسعار الوقود ارتفاعًا بنسبة 10% مما أثّر على تكاليف الشحن البحري.
بجانب ذلك تلعب العوامل البيئية والطقس دوراً مهماً في تحديد سهولة ومرونة عمليات النقل، حيث يمكن أن تعطل الأحوال الجوية القاسية سلاسل التوريد. ذكرت منظمة التجارة العالمية أن تأخير الشحنات بسبب الطقس القاسي يكلف الاقتصاد العالمي حوالي 500 مليار دولار سنويًا.
من الناحية التكنولوجية، تفتقر بعض الدول إلى الأنظمة الرقمية المتقدمة لتتبع الشحنات، وإدارة اللوجستيات بشكل فعّال، مما يدل على أن نقص الأنظمة الرقمية يؤثر على كفاءة إدارة اللوجستيات. بينما يمكن للتكنولوجيا أن تحسن الكفاءة وتقلل من الأخطاء، إلا أن تبني التكنولوجيا المتقدمة يتطلب استثمارات كبيرة، وتدريب مكثف للعاملين. أيضاً العامل الأمني يعد تحدياً رئيسياً، حيث تتعرض بعض الشحنات للسرقة أو التلف أثناء النقل مما يتطلب الأمر تدابير أمنية مشددة، وتعاوناً دولياً لضمان سلامة البضائع. وتشير دراسة لجمعية النقل واللوجستيات الدولية لعام 2024 إلى أن تبني التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن يحسّن الكفاءة بنسبة 25%..
تُعد التجارة الدولية ركنًا أساسيًا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار المالي، وتؤدي الخدمات اللوجستية دورًا حيويًا في دعم هذه العملية، حيث يعد قطاع الخدمات اللوجستية بمثابة عنصر حيوي في رحلة التحوّل الاقتصادي في الاقتصاد العالمي، ويشكّل العمود الفقري لسلاسل الإمداد، وتعزيز الكفاءة التشغيلية للشركات والدول. كما تلعب هذه الخدمات دورًا محوريًا في تحقيق التنوع الاقتصادي، وزيادة القدرة التنافسية على الصعيد المحلي والدولي. وذلك من خلال فهم أهمية الخدمات اللوجستية، وتحدياتها واستراتيجيات تطويرها حتى يمكن للدولة توفير خدمات لوجستية موثوقة، وفعّالة تستطيع الشركات من خلال توافرها إلى جذب عدد أكبر من العملاء مع تقليل الاعتماد على الأسواق المحلية، وزيادة حصتها في السوق، مما يعزز تنوع الاقتصاد من خلال تطوير وتنويع الصادرات، وزيادة حجم التجارة الدولية، وزيادة الإيرادات.
تقدر حجم التجارة الخارجية للسعودية في 2024 حوالي 500 مليار دولار، بزيادة قدرها 8% عن العام السابق. كما يمكن للشركات توسيع نطاق منتجاتها وتحقيق نمو مستدام بفضل البنية التحتية المتطورة الفعّالة، والسلسة لتدفق المنتجات والخدمات، كما تتيح للشركات توسيع أعمالها، والوصول إلى عملاء جدد في دول مختلفة، وذلك يعد عاملاً مساعداً في توسيع الفرص التجارية، وبالتالي يدعم تنويع الاقتصاد، ويعزز النمو الاقتصادي، فضلاً عن تسريع أوقات التسليم، وتقديم المنتجات للعملاء بسرعة وكفاءة. كما تشير الاحصائيات إلى أن حجم سوق الخدمات اللوجستية في المملكة العربية السعودية يُقدّر بحوالي 1.68 مليار دولار أمريكي في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 2.88 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، مع معدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.39%.
تعتمد الشركات عادة على خدمات لوجستية متطورة لضمان تكامل سلس وسريع في عمليات النقل والتخزين ومنافذ البيع، فضلًا عن دعم حركة النقل البري والجوي والبحري من خلال تطوير الموانئ، وتحسين سلاسل الإمداد، تسهم أيضاً هذه الخدمات في تحسين الكفاءة التشغيلية، وتقليل التكاليف، مما يمكّن الشركات من تعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، ويسهم في النمو الاقتصادي بفضل الابتكارات في هذا المجال، وبفضل التحسينات في البنية التحتية، والتقنيات اللوجستية. كذلك تستطيع الشركات تحقيق وفورات كبيرة في الوقت والمال، مما يتيح لها توسيع نطاق أعمالها، والوصول إلى عملاء جدد في أسواق مختلفة جديدة بشكل أكثر فعّالية مما يعد أمراً حاسمًا في دعم التجارة الدولية، وتعزيز المرونة في العمليات اللوجستية عن طريق ربط الأسواق الإقليمية والدولية، حيث يمكن للشركات تلبية احتياجات العملاء في الوقت المناسب. علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية والتكنولوجيا الحديثة يرسّخ فعالية الخدمات اللوجستية، ويسهم في تعزيز التجارة الدولية، في 2023، جذبت السعودية استثمارات أجنبية بقيمة 15 مليار دولار بفضل تحسين البنية التحتية اللوجستية.
أضف إلى ذلك أن الخدمات اللوجستية تنتهج اتجاهات حديثة، وتقنيات عدة تسهم في الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، والابتكار من أجل تعزيز فعالية العمليات، وتقليل التكاليف. تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والتحول الرقمي تلعب دورًا مهمًا في تحسين إدارة سلاسل الإمداد، وتتبع الشحنات، وتحليل البيانات بدقة أكبر. فضلاً عن تبني ممارسات صديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحسين استدامة العمليات اللوجستية. هذا النوع من الابتكار يمكن أن يؤدي إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف وتحسين الكفاءة التشغيلية، مما يسهم في تنويع الاقتصاد على المستوى العالمي، مع تعزيز التجارة الدولية. ومن المؤكّد ألا ننسى الدور المهام للخدمات اللوجستية الفعّالة والمتطورة إذ تعد عاملاً محفزًا للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يسعى المستثمرون إلى العثور على بيئات استثمارية تتمتع ببنية تحتية لوجستية متينة. حيث تسهم الاستثمارات الأجنبية في تنويع الاقتصاد من خلال خلق فرص عمل جديدة، ونقل التكنولوجيا، وزيادة الإنتاجية، وتحسين جودة المنتجات من خلال توفير خدمات التخزين والتعبئة المناسبة مما يسهم كذلك في تحسين كفاءة العمليات الاقتصادية، ويعزز من القدرة التنافسية للدول، وتوطد الثقة بين الشركاء التجاريين من خلال زيادة فرص الاستثمار، والمساعدة في تحقيق تنمية مستدامة.
ختامًا من المهم في هذه المرحلة من أجل تبني استراتيجيات للتقدم المستقبلي العمل على تشجيع رواد الأعمال للاستفادة من الفرص في هذا النوع من المشاريع، وذلك من خلال الملتقيات والندوات والدورات، وتخصيص التمويل المناسب لما في قطاع الخدمات اللوجستية من الفرص النوعية والمتنوعة والكثيرة، والتي تستوعب عدداً هائلاً من المشاريع المتوسطة والصغيرة، والتي تفتح مجالاً واسعاً للتجارة الدولية في ظل تنوع الاقتصاد، وبذلك تحقق أهداف النمو والتنمية المستدامة.
المقالة منشورة في النشرة الفصلية التي تصدرها جمعية الاقتصاد السعودية عدد رمضان 1446 هـ / مارس 2025 م