مع انطلاق المترو، هل يمثل تحدي العادات عائقًا للنجاح؟

26/11/2024 0
د. أحمد حسن النجار

كم مرة وجدت نفسك محاصرًا بين السيارات في شوارع الرياض، تتمنى لو أن لك جناحين لتطير بهما فوق هذا الزحام الخانق؟ كم ساعة ضاعت من عمرك وأنت تنتظر في طوابير السيارات التي لا تنتهي؟ هذا هو واقع يومي مُعاش في العاصمة، حيث يُعد الزحام المروري أحد أكبر التحديات التي تُواجه سكانها، ويُكبّد الاقتصاد الوطني خسائر بمليارات الريالات سنويًا بسبب انخفاض الإنتاجية، وزيادة استهلاك الوقود، وصيانة البنية التحتية، في ظل هذه المعاناة، لاحت مؤخرًا بشرى سارة بانطلاق التشغيل التجريبي لمترو الرياض خلال أيام. هذا المشروع العملاق يُعد نقلة نوعية في نظام المواصلات العامة، حيث يهدف إلى توفير نظام نقل متكامل ومستدام يُقلل الاعتماد على السيارات الخاصة، ويُحسن تجربة التنقل داخل المدينة. ومع اكتمال شبكة النقل العام، تبرز الحاجة إلى توجيه الجهود نحو تشجيع الأفراد على استخدامها بفعالية وبما يحقق الدور المنشود منها.

في الرياض، حيث لم يعتاد الناس سابقًا على المواصلات العامة داخل المدن، يواجه قبول شريحة من المجتمع لاستخدام المواصلات العامة بعض التحديات المرتبطة بالتحيزات النفسية، والتي قد تشكل عائقًا سلوكيًا لاستخدامها مثل: تحيز التأثير الاجتماعي (Social Influence Bias)، تحيز المكانة الاجتماعية (Social Status Bias)، التحيز للوضع الراهن (Status Quo Bias)، وتحيز النفور من الغموض (Ambiguity Aversion Bias)، وغير ذلك من التحيزات المتعارف عليها في علم الاقتصاد السلوكي.

فكيف يمكن للتدخلات السلوكية أن تُحفّز سكان الرياض على استخدام المواصلات العامة؟

(1) التسويق المُبتكر: يمكن استخدام حملات التسويق المُبتكرة لتغيير تصورات السكان عن المواصلات العامة وربطها بمفاهيم إيجابية مثل: الراحة، الاستدامة، والمسؤولية الاجتماعية. يمكن للرياض إطلاق حملات إعلانية مشابهة لحملة "مترو الثقافة" في مدينة ميديلين الكولومبية، والتي ساهمت في زيادة إقبال الركاب على المترو من خلال تنظيم فعاليات فنية وثقافية داخل محطات المترو وعرباته.

(2) معلومات في متناول الجميع: يُشجّع توفير معلومات دقيقة ومُحدّثة عن خطوط المواصلات العامة، مواعيدها، أسعارها، وأماكن تواجد المحطات، السكان على استخدامها بثقة. يمكن للرياض الاستفادة من تجربة مدينة سيول، التي طورت تطبيقًا ذكيًا يُتيح للمستخدمين التخطيط لرحلاتهم بسهولة ومعرفة أوقات وصول الباصات والمترو في الوقت الحقيقي، مما يمنحهم ثقة وراحة أكبر أثناء التنقل.

(3) استخدام الشخصيات العامة للترويج: تلعب الشخصيات العامة دورًا كبيرًا في التأثير على قرارات الأفراد وسلوكياتهم. يمكن للرياض الاستفادة من هذه الاستراتيجية عبر إشراك مشاهير وشخصيات بارزة في حملات توعوية لتشجيع السكان على استخدام المترو والحافلات. على سبيل المثال، في نيويورك، شاركت نجمة التنس الشهيرة سيرينا ويليامز في حملة للترويج لاستخدام المواصلات العامة، حيث ظهرت في فيديو وهي تستقل المترو، مشجعة الجميع على تجربة التنقل المستدام. وفي طوكيو، استعانت السلطات بالممثلين والموسيقيين المشهورين لعرض حملات توعية، حيث قاموا بتصوير مقاطع فيديو ترويجية تظهرهم وهم يستخدمون القطارات المحلية في حياتهم اليومية.

(4) تحسين تجربة المستخدم: تُعدّ راحة وملاءمة المواصلات العامة من أهم العوامل التي تُؤثر على اختيار الناس. يمكن للرياض الاستفادة من تجارب مدن أخرى مثل لندن، التي زاد فيها إقبال الركاب على المترو بفضل توفير خدمة WiFi مجانية، مقاعد مُريحة، وتحديث محطات المترو لتكون أكثر جاذبية.

(5) شراكة مجتمعية لِلنقل المُستدام: يمكن تحقيق نتائج أفضل من خلال التعاون بين الجهات الحكومية والخاصة ومنظمات المجتمع المدني لتشجيع استخدام المواصلات العامة في الرياض. فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات الكبرى في الرياض أن تُقدم حوافز لموظفيها للاستغناء عن سياراتهم – ولو يومًا واحدًا متفق عليه خلال الأسبوع - واستخدام المواصلات العامة أو الدراجات الهوائية. كما يمكن تقديم خصومات وعروض خاصة لمستخدمي المواصلات العامة في المطاعم والمتاجر والأماكن الترفيهية.

(6) أكثر من مجرد مَحطة مترو: في أمستردام، تحولت محطات النقل العام إلى "محطات ذكية ومستدامة" من خلال توفير خدمات متنوعة مثل المقاهي والمكتبات، واستخدام الطاقة الشمسية لتشغيل المحطات وإنارتها. هذه التجربة تُلهم الرياض لتحويل محطات المترو والحافلات إلى مراكز حيوية تشجع الناس على قضاء وقت ممتع فيها، مما يُعزز من جاذبية النقل العام.

ختامًا.. ومع بدء تشغيل مترو الرياض، يبدأ فصل جديد في معالجة الزحام المروري وتطوير عادات التنقل في المدينة. فمن خلال الجمع بين التكنولوجيا الحديثة والتدخلات السلوكية الفاعلة، يمكن للرياض أن تتحول إلى نموذج عالمي يُحتذى به في التنمية المُستدامة، وتحسين جودة الحياة لسكانها وتعزيز اقتصادها الوطني. ولِكي يُحقق المترو أهدافه في تخفيف الزحام وتحسين جودة الحياة، يتطلب الأمر تغييرًا جذريًا في سلوك سكان الرياض وتبنيهم لِثقافة النقل العام كَخيار أمثل لِلتنقل في مدينة المستقبل.

 

 

خاص_الفابيتا