مقال تحليلي بالأرقام والفرص الضائعة..
1) الدور النظامي مقابل الواقع المالي
الأمانات هي الجهة المسؤولة عن 100% من الخدمات البلدية داخل المدن: تراخيص، نظافة، طرق، إنارة، صحة بيئية، تنظيم عمراني، استثمار بلدي، وفعاليات. رغم هذا الاتساع، تُظهر المؤشرات أن الإيرادات التشغيلية الذاتية لمعظم الأمانات لا تغطي أكثر من 30–40% من مصروفاتها السنوية، ما يجعلها تعتمد على التحويلات المركزية. في المقابل، مدن عالمية مماثلة (سكان 0.5–2 مليون) تحقق تغطية ذاتية 70–110% عبر رسوم ذكية، استثمار حضري، وفعاليات مستمرة.
2) فجوة الرسوم المهنية: دخل ضائع بمئات الملايين
في مدينة متوسطة (1 مليون نسمة) يوجد تقديريًا 60–90 ألف فني وحِرفي (كهرباء، سباكة، نجارة، تكييف، ألمنيوم، مصاعد، أنظمة منخفضة الجهد..).
رسوم ترخيص مهني سنوي رمزي: 300–500 ريال/فني.
إيراد محتمل: 18–45 مليون ريال/سنة للمدينة الواحدة.
تكلفة تنظيم ورقابة رقمية: أقل من 10% من الإيراد.
الواقع الحالي: التركيز شبه الحصري على المطاعم والكافيهات، بينما 80% من مقدمي الخدمات المنزلية والتجارية يعملون بلا إطار ترخيص بلدي موحد، ما يعني فقدان دخل وتدنّي جودة ومخاطر سلامة.
3) الاستثمار البلدي: أصول خاملة داخل النطاق العمراني
تملك الأمانات آلاف القطع داخل المدن (تجارية/صناعية خفيفة/مواقف/ساحات).
متوسط العائد الحالي للأصول المؤجرة: 2–4%.
العائد الممكن مع إدارة (PPP/حق انتفاع/REIT بلدي): 8-12%
الفارق السنوي لمدينة واحدة بمحفظة أصول 5 مليارات ريال: +200–400 مليون ريال.
المشكلة ليست في الأصل، بل في غياب الحوكمة الاستثمارية، بطء الطرح، وضعف المتابعة التشغيلية.
4) الفعاليات الحضرية: لماذا نجحت المركزية وفشلت المحلية؟
نجاح الهيئة العامة للترفيه كشف فجوة الأداء البلدي. الهيئة نفّذت ما يفترض أن تقوم به الأمانات محليًا لكن بإدارة مركزية، تسويق احترافي، وجدولة كثيفة.
مدينة تقيم 24 فعالية كبرى/سنة + 100 فعالية مجتمعية يمكن أن تولّد 60–120 مليون ريال (رعايات، تذاكر، تصاريح، أكشاك).
الأثر غير المباشر (مطاعم/نقل/ضيافة): 2–3× الإيراد المباشر.
النتيجة: جودة حياة أعلى، مشاركة مجتمعية، ودخل بلدي مستدام.
5) نموذج الترخيص الشامل: تنظيم + دخل + جودة
ترخيص لكل مقدم خدمة داخل المدينة (فرد/شركة):
بطاقة مهنية رقمية + تدريب سلامة أساسي.
تجديد سنوي + تقييم أداء.
ربط مع بلاغات المستفيدين.
الأثر: خفض الحوادث، رفع الثقة، دخل سنوي ثابت، وبيانات دقيقة لسوق الخدمات.
6) التحول الرقمي: من جباية موسمية إلى إيراد متكرر
منصات ترخيص موحدة تقلّل زمن المعاملة 60–70%.
تسعير ذكي حسب كثافة المدينة والمخاطر.
تحصيل آلي يقلّل التسرب المالي 15–25%.
المدن التي رقمنت التحصيل زادت إيراداتها 20–35% خلال 24 شهرًا دون رفع الرسوم الاسمية.
7) لماذا هذا مهم للاقتصاد الوطني؟
تقليل الاعتماد على الخزينة المركزية.
خلق وظائف تنظيمية محلية.
رفع جاذبية المدن للاستثمار.
تسريع مؤشرات جودة الحياة.
كل 100 مليون ريال إيراد بلدي إضافي يخفف ضغطًا مباشرًا على الميزانية، ويُعاد ضخه محليًا.
8) خارطة طريق عملية (12–24 شهرًا)
1. إقرار ترخيص مهني شامل (رسوم رمزية، تطبيق موحد).
2. شركة استثمار بلدي لكل أمانة بمحفظة واضحة وKPIs.
3. تقويم فعاليات سنوي مع رعايات محلية.
4. رقمنة التحصيل والرقابة وربطها بالبلاغات.
5. شفافية شهرية: إيراد/تكلفة/عائد أصل.
الخلاصة
الأمانات ليست فقيرة الموارد؛ هي فقيرة الإدارة الاستثمارية. بالأدوات المتاحة اليوم، يمكن تحويلها من عبء تشغيلي إلى مولّد دخل محلي خلال أقل من عامين—دون إثقال المواطن—بل عبر تنظيم السوق، استثمار الأصول، وتفعيل الفعاليات.
السؤال لم يعد: هل يمكن؟ بل: متى نبدأ؟
خاص_الفابيتا


