الأسواق العالمية.. هل ضاعت الفرص أم ستتجدد ؟

20/11/2024 0
محمد العنقري

تولد الفرص من رحم الأزمات والتي ينتظرها المستثمرون بفارغ الصبر فتأسيس المراكز الاستثمارية لفترات زمنية طويلة لا تحدث الا عند بداية تشكل الفرصة والتي إما تاتي من تأسيس شركة بقطاع واعد، وغالباً من ازمات تحدث معها انهيارات باسعار شركات مهمة من حيث قطاعها ونوعية منتجاتها ومستقبلها، ويعكف كبار المستثمرين الاستراتيجيين لدراسة الأسواق بشكل مستمر، وعادة ما يكونون هم قادة السوق من حيث ضخ الأموال لاقتناص الفرص والمحافظة عليها حتى تنضج، وتأخذ هذه الرحلة سنوات ليست بالقصيرة قد تمتد لعشرة أعوام وأحيانا أكثر لكن العائد منها يكون ضخماً جداً، وبما أنهم يحافظون على مراكزهم لفترات طويلة فإن ذلك يساعد في استقرار أداء الأسواق وتقليص التقلبات فيها، والذي يقاس على فترات زمنية تمتد لسنوات وليس لعام واحد، ويضاف لدورهم أيضاً في دعم استقرار السوق عمقه الذي يتحقق من خلال ضخامة السيولة وهو التعبير الصحيح عن مفهوم عمق السوق، ويكون ذلك من خلال التعامل التقليدي من خلال عمليات شراء وبيع الأسهم والمشتقات التي يتم من خلالها تنشيط تداولات السوق.

بالعودة لكيفية تولد الفرص فإن مراجعة لما حدث خلال القرن الحالي بدايةً من فقاعة الدوت كوم والتي انهارت معها الأسواق بأكثر من 75% خصوصاً مؤشر ناسداك حيث ظهرت بعدها قطاعات تكنولوجيا حديثة في حينها مثل صناعة الاجهزة الذكية ومن أهم الشركات آبل، وايضا التجارة الالكترونية حيث برز عملاق هذا القطاع امازون وغيرهم من الشركات المنافسة أو التي تقدم لهم خدمات وسلاسل امداد ثم جاءت الأزمة المالية العالمية والتي انهارت معها أكبر المؤسسات المالية بقطاع البنوك، وتراجعت معها أسعار شركات التكنولوجيا الحديثة بشكل حاد وولد ذلك فرصا اعتقد البعض أنها لن تتكرر.

ومع ارتفاع أسعار السلع الذي صاحب فترة ما قبل الازمة وما بعدها عندما بدأ خفض الفائدة لمستوى يقارب الصفر وتم ضخ ارقام فلكية بالأسواق عبر التيسير الكمي لمنع أزمة اقتصادية واستيعاب انهيارات البنوك، ولد ذلك فرصا بقطاعات جديدة في المجال التكنولوجي الذي تركز بمجال خدمة تغيير مزيج استخدام الطاقة من الاعتماد على الوقود الاحفوري بشكل كبير جداً الى رفع نسبة دور الطاقة النظيفة والمتجددة فظهرت شركات صناعة السيارات الكهربائية إضافة الى دعم كافة المجالات والانشطة بإدخال التقنية الحديثة لمدخلات إنتاج الشركات العاملة بها الصناعية او الخدمية عبر التوجه للذكاء الاصطناعي والذي يحتاج لاجهزة متقدمة تعتمد على رقائق الكترونية متطورة جداً فكان هناك شركات تصمم هذه الرقائق وتعد انفيديا قائد هذا القطاع وحالياً تعتبر الشركة الاولى عالمياً من حيث القيمة السوقية باكثر من 3،6 تريليون دولار، إضافة للشركات المصنعة لتلك الرقائق التي أصبحت جزءا من الامن القومي للدول المتقدمة التي تمتلك أكبر شركات العالم بالتصميم والتصنيع حيث تمنع تصدير بعض منتجاتها وتضع قيودا على ملكية أسهمها من قبل الاستثمار الاجنبي بحيث لا يتجاوز نسبا بسيطة بينما كانت الفرص متاحة بها قبل أكثر من خمسة أعوام لتملك أي نسبة للمستثمر الاجنبي.

لكن أزمة كورونا عام 2020 أثبتت أن الازمة المالية 2008 ليست آخر فرصة ذهبية بل إنها لا تمثل شيئاً قباساً بالفرص التي تولدت في فترة الجائحة عالمياً، تحديداً قبل أربعة أعوام؛ فشركة تسلا أهم صانعي السيارات الكهربائية بالعالم تضاعفت قيمتها بحدود اثنتي عشرة مرة، وكذلك انفيديا بعشرة أضعاف، وكذلك شركات الترفيه مثل نتفلكس وايضا خدمات التواصل عن بعد وبالمجمل كل شركات التقنيات الحديثة بمختلف الانشطة كانت هي الرائدة بقيادة الاسواق لمستويات غير مسبوقة.

وهنا يأتي دور كبار المستثمرين الاستراتيجيين في اقتناص تلك الفرص نظراً لحجم السيولة التي يتمتعون بها وامتلاكهم لكوادر بشرية قادرة على اعطاء تقييم دقيق وسريع للاسواق والفرص فيها ومستقبلها. أما في عالمنا اليوم وبعد هذه الارتفاعات بالأسواق والتنافسية العالمية في السباق التكنولوجي فإن هناك قطاعات وشركات ستظهر بالمستقبل كقائد في جذب الاستثمارات لها، سواء في تصنيع الروبوتات او التوسع باستخدامات الذكاء الاصطناعي وما يحتاجه من منتجات داعمة لتصنيع الأجهزة التي تخدم استخداماته، إضافةً للتركيز على دور الطاقة المتجددة وغيرها من التقنيات الحيوية في مجالات الطب وصناعة الادوية والزراعة والأجهزة التي تستخدم في قطاعات الانشاءات؛ حيث سيتغير بشكل جذري نمط أعمال هذا القطاع الحيوي وكذلك الشركات التي تخدم التحول الرقمي وأمنه.

لن تنتهي الفرص في الاقتصاد العالمي والاسواق الكبرى والناشئة، ولكن المهم اقتناصها مبكراً والصبر عليها حتى تحقق أهدافها، ومن لم يستفد من كبار المستثمرين خصوصاً صناديق الاستثمار المليارية التي تدار من مؤسسات مالية تجارية كبرى خلال الازمات الاخيرة، والتي فتحت المجال لفرص أكبر بالمستقبل فإنه من الضروري مراجعة احتياجاتهم من الكوادر البشرية المتخصصة بشكل دقيق في فهم القطاعات الحديثة واستقطابهم سريعاً نظراً لندرة مثل هذه الكوادر، وذلك للاستعداد للفترة القادمة التي ستكون الفرص فيها أكبر بكثير مما تحقق بكل الازمات السابقة من بداية هذا القرن وذلك لجذب أموال المستثمرين وتعظيم المنافع لهم وللاقتصاد.

 

 

نقلا عن الجزيرة