نعم سيستمر ارتفاع البيتكوين لأنه حتمي، لا مفر منه، لكن هناك أيضا نقطة انهيار حتمية، لا مفر منها. هذه القاعدة تنطبق على كافة العملات المشفرة، التي لها مواصفات البيتكوين، فهناك ارتفاع حتمي ونقطة انهيار حتمية لكل عملة، لقد تعلمنا الكثير خلال السنوات التي مضت، خصوصا من انهيار عملتي تيرا يو إس تي (UST) وتيرا لونا (LUNA) وقيام شركةBinance بحرق مليارات من الرموز لتقليل المعروض منها وبالتالي العودة إلى التداول بسعر مرتفع، ومع ذلك لم تستطع العملتان العودة بعد ذلك إلا بتغييرات هيكلية، ومع انهيارهما انهارت أيضا البيتكوين وسوق العملات المشفرة، فبعد أن وصل سعر بيتكوين إلى 68 دولارًا في نوفمبر 2021، فقدت نحو 70% من هذه القيمة، ووصلت إلى 17 ألف دولار في نوفمبر 2022، لقد مر الآن عامان على ذلك الانهيار، واليوم تعود البيتكوين قوية هائلة مكتسحة كل الأخبار والمنصات مع صول السعر إلى حدود 90 ألف دولار، (336٫241) ريالا سعوديا. وأتذكر أنني كتبت في مقال قبل عام بعنوان (أهم دروس الماضي التي ستبقى معنا للمستقبل)، "إن صمود عملة البيتكوين ببراعة، يعني أنها قد امتلكت شرعية كبيرة، وستنطلق في أفق غير مكتشف حاليا، وسيكون المستقبل غريبا جدا لم نشهده أبدا ولا يوجد تاريخ مسجل له ولا اطراد معروف".
لماذا صعود الأسعار حتمي؟ لأن آليات إنتاجها تفرض ذلك، ولفهم آليات الإنتاج فإنه يجب فهم كيف نشأت فكرة العملات المشفرة.
لقد نشأت 1993 من بحث غريب عن فكرة تشفير البريد الإلكتروني لمنع الرسائل المزعجة والبريد العشوائي من الوصول، والفكرة هي رفع تكلفة الوصول للخادم (لغير المختص هو مخزن البريد ومعالجه)، وهنا ركز كثيرا على عبارة رفع التكلفة، رفع التكلفة لا يتم بدفع رسوم، بل من خلال جعل الراغب في الوصول إلى الخادم يمر بعدة مراحل ويحل عدة ألغاز رياضية، ليست مستحيلة الحل لكنها تأخذ وقتا وطاقة من الجهاز.
بعد ذلك البحث الشهير الذي نشر في 1993، انطلقت حزمة من الدراسات حول هذه المسألة، (تشفير الدخول للخادم من خلال حل الألغاز الرياضية)، وقد أنتجت هذه الحزم من الأبحاث فكرة البلوكتشين، (سلاسل الكتل) حيث تتم معالجة أي عملية بين طرفين (عقد مثلا) من خلال ربطها في سلسلة من الأرقام التي لا يمكن حذفها إلا بحذف السلسلة كاملة، لكن بقيت مسألة مهمة جدا في سلسلة الكتل، وهي التي تقوم بإنتاج رقم الربط هذا.
من يتحقق من صحة العملية فعلا وأنها بين طرفين مؤهلين، كان لا بد من صلاحية للدخول للخادم والتأكد من صحة العملية من طرف ثالث مستقل يقوم بإثبات العملية في السلسلة (Proof-of-work)، لقد كانت الجهات المشرفة على سلاسل الكتل تمنح هذه الصلاحية مثل صلاحية الوصول لخادم البريد، لكن في 2008 ظهرت سلسلة كتل البيتكوين، ولا توجد جهة تمنح صلاحية الدخول، بل برامج تسمى التعدين، فإذا تمت عملية بين طرفين في سلسلة كتلة البيتكوين، لا بد لطرف ثالث من تأكيد صحتها وهو المُعدن، حيث يقوم بحل ألغاز رياضية (مثل فكرة البريد) ثم إذا نجح في حلها تم منحه حق إثبات العملية في السلسلة ثم يتم منحه عملة بيتكوين (رمز إلكتروني معقد ومشفر لا يمكن تكراره) وذلك "كمكافأة له وأجر"، طبعا الأجر هو في مقابل التكلفة في الوقت اللازم لتتبع العمليات في السلسلة وأيضا التكلفة في الطاقة التي يأخذها البرنامج لحل اللغز الرياضي.
لقد كانت هذه المهمة سهلة جدا في البدايات، حيث عدد المُعدنين قليل، والعمليات على سلسلة البيتكوين قليلة لذلك كانت تكلفة الوصول إلى العملية ومعالجة اللغز الرياضي لفتح السلسلة أقل من دولار، لكن هذا يعني أن هناك ارتباطا "حتميا"، بين ازدياد عدد المعدنين وعدد العمليات على السلسلة وبين تكلفة التعدين، ذلك أن نمو السلسلة وتزايد تعقيد الحل الرياضي سيأخذ وقتا أكبر وأجهزة أكثر وطاقة كهربائية "هائلة".
وإذا تم إنتاج العملة للمعدن الذي نجح في الوصول بعد تلك التكلفة الكهربائية والأجهزة المعقدة والوقت فإن هناك هامشا بين ما دفعه وبين سعر العملة في السوق (وهو هامش ربحه)، لذلك فإن القيمة الحدية للعملة سترتفع بشكل مطرد، طالما السلسلة في النمو، وطالما تكلفة التعدين في النمو، بمعنى آخر فإن سعر آخر عملة تم إنتاجها بالتعدين سيعادل سعر آخر صفقة عليها.
نقلا عن الاقتصادية