حجبت شركة ميتا على منصاتها وأشهرها فيسبوك وسائل إعلام روسية؛ وهو الأمر الذي أثار حفيظة موسكو واعتبرته مسيئاً لسمعة شركة عالمية يستخدم تطبيقاتها قرابة مليارين وهي فيسبوك وانستجرام وتطبيق الرسائل واتس أب. ويذكرنا هذا الحجب ما قامت به مع الرئيس السابق ترامب من وضع قيود على حسابه في فيسبوك وانستجرام اضافة لإعلانها مؤخراً بأن حكومة الرئيس بايدن ضغطت عليها لإزالة حسابات وفرض رقابة صارمة على محتوى متعلق بجائحة كورونا، ومنع انتشار بعض القصص الحساسة عن عائلة الرئيس بايدن في فترة الجائحة وهو ما يفتح على سؤال حول مدى استقلالية هذه الشركة العملاقة عن الميدان السياسي داخلياً وخارجياً.
شركة ميتا تعد من اعلى شركات العالم قيمةً سوقية حيث وصلت الى 1،36 تريليون دولار، وكانت قد غيرت اسمها بعد ان كان فيسبوك ليتماشى مع توجهها الجديد نحو تقنية عالم الميتافيرس، لكن ما تقوم به من أعمال ذات طابع سياسي يثير التساؤل حول دورها الحقيقي، وهل هي وجدت للأعمال التجارية او انه مفروض عليها القيام باتخاذ قرارات ذات طابع سياسي؟ ولكن هل تلام الشركة ام ان حقيقة الحريات بأميركا مجرد كذبة كبيرة وان دعمها لشركات التقنية وفتح المجال لها لما وصلت له من توسعات وقيمة سوقية تضاهي حجم اقتصاد دول كبيرة في العالم كان له مقابل بان ترضخ لما تطلبه منها الحكومة الامريكية، فالسيطرة التكنولوجية اصبحت كبيرة جداً لدى الغرب عموماً واميركا خصوصاً.
إذ إن هذه الوسائل المختصة بالتواصل الاجتماعي ويضاف لها باقي المنصات اصبحت وسيلة نشر مهمة ليس للأفراد بالعالم بل للدول واجهزتها الرسمية ومسؤوليها، واذا ما تم حجبها عن اي دولة فتصبح شبه مشلولة في القدرة على التواصل مع شعبها والعالم، وستعود لوسائل قديمة لم تعد تحقق السرعة في ايصال الرسالة الإعلامية يضاف لذلك شركات التقنية الخدمية التي تستضيف تطبيقات تعمل على الاجهزة الذكية، حيث سهلت الاجراءات الرسمية لمواطني الدول اضافة للأعمال التجارية، فكثير من الشركات اصبحت خدماتها عبر تطبيقات واذا ما ارادت تلك الشركات التي تسمح للتطبيقات بالعمل على الاجهزة الذكية ان توقفها فإن كثيراً من الأعمال الرسمية او التجارية سيتباطأ تنفيذها وسيضطرون للعودة للأساليب التقليدية المكلفة وقتاً وجهداً ومالاً، يضاف لذلك الحوسبة السحابية واهميتها بتخزين البيانات، فهي ايضا يسيطر على سوقها شركات امريكية بالدرجة الاولى، وهو امر في غاية الخطورة لو اريد استغلاله وحجب تلك البيانات عن ملاكها لأي سبب كان.
استقلال الدول تكنولوجياً ضرورة ويعد من الامن القومي، وعندما نسمع عن هذا التوجه فالمقصود ليس تصنيع الاجهزة او مدخلاتها فقط بل الاهم انظمة تشغيلها والتطبيقات وكيفية استضافتها على مواقع تعود لكل دولة، فمن الواضح ان اشكال الاستعمار العالمي الحديث اخذت طابعاً جديداً وهو متعلق بالهيمنة التكنولوجية والتحكم بها وقدرة تلك الدول على استخدامها وامتثال هذه الشركات لها بحكم انظمة تسمح للحكومة فرض ما تريد عند الضرورة، فمن الطبيعي ان لا يكون لأي شركة مصلحة بخسارة اسواق لها في العالم بسبب فرض قرارات عليها لن تحقق لها فائدة بل خسائر؛ ولذلك فإن العالم اليوم يواجه معضلة امتلاك التكنولوجيا والاستقلال بها عن الغرب المتقدم بها وهو ما يتطلب إنفاقاً ضخماً على الابحاث لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي المهم جداً.
نقلا عن الجزيرة