آلية الربح من الكاش المعطّل في الحساب

01/09/2024 4
د. فهد الحويماني

التنظيم الجديد الذي أعلنت عنه هيئة السوق المالية الأسبوع الماضي يتيح للعميل تحقيق عوائد يومية على أي مبالغ نقدية متبقية في حسابه، بحيث تتم الاستفادة من الكاش المتبقي في الحساب أثناء فترات خروج العميل من السوق أو انتظاره الفرص. هذه الآلية معروفة ومعمول بها في الخارج، ومعمول بها كذلك في الصناديق الاستثمارية بسبب طبيعة عملها، إلا أنها الآن ستكون متاحة على مستوى الوسطاء، أي البنوك وغيرهم ممن يقدم خدمات التداول، لكن هناك بعض الملاحظات المهمة أوردها هنا كرأي شخصي، لفهم كيفية حصول العميل على أرباح من الكاش المتاح في حسابه، نعود أولاً إلى قبل فترة قصيرة حين أعلنت الهيئة عن السماح لشركات الوساطة وغيرها من مؤسسات السوق بتجميع حسابات العملاء تحت اسم المؤسسة المالية، بمعنى أن ما يمتلكه الشخص من أوراق مالية وكاش لن تكون مسجلة باسمه لدى أمين الحفظ، بل باسم مؤسسة السوق المالية التي تدير حسابه، التي من الواجب عليها الاحتفاظ بسجلات داخلية للتمييز بين الحسابات الفردية للعملاء. هذا التنظيم الجديد جعل من الممكن لمؤسسة السوق أن تستثمر الكاش المتبقي في حساب العميل، كونه الآن أصبح باسم المؤسسة المالية، على أن يتم ذلك وفق ضوابط وشروط معينة.

من المهم التوضيح أن استفادة المؤسسة المالية من أموال العملاء يجب ألا تؤثر في القوة الشرائية لحساب العميل، بمعنى أن العملية تتم دون أي تدخل من قبل العميل، عدا موافقته الأولية على ذلك، وبذلك فالذي يحصل هو أن يتم سحب الكاش بشكل يومي من الحساب والاستفادة منه في استثمارات آمنة جداً، غالباً تتم من خلال ودائع في بنوك محلية أو في سندات حكومية آمنة. وعندما يحتاج العميل إلى إجراء عملية شراء فلن يلحظ اختفاء الكاش من حسابه، لأن المؤسسة المالية تضمن وجود القوة الشرائية دون أي تأثير في العميل.

هذه النقطة المهمة فيما يخص استثمار أموال العميل يبدو أن التنظيم الجديد لم يوضحها بشكل جيد، وفي رأيي ربما أنه أساء فهمها، حيث إن المادة 77 من لائحة مؤسسات السوق نصت على ما يلي: ".. بما في ذلك المدة التي يمكن فيها للعميل – بناء على طلبه – استرداد أمواله المستثمرة". هذه الجملة غير صحيحة ولا يمكن القبول بها لأنها تعني أمراً آخر مختلفاً تماماً عن آلية إدارة النقد المعروفة، cash sweep. لتوضيح هذه النقطة، لا يوجد ما يمنع من ابتكار طريقة جديدة - غير معروفة عالمياً - لإدارة النقد في حساب العميل، لكن المشكلة هنا أنه من ناحية عملية ومهنية لا يمكن سحب مال العميل ومن ثم إلزامه بالمطالبة باسترداده في حال قرر الاستفادة منه لاحقاً، وإن تم ذلك فتصبح العملية عبارة عن وديعة زمنية تقوم بها مؤسسة السوق نيابة عن العميل، وهذه خدمة عادة لا يحتاج إليها المتداول، ولو احتاج إليه يمكنه القيام بها بنفسه دون استقطاع أي من الأرباح الناتجة عنها.

مرة أخرى، طريقة إدارة النقد في حساب العميل تعني أن العميل يجب ألا يشعر بأن أمواله غادرت الحساب، بعد أن يكون قد أعطى موافقته في البداية، ويجب ألا تتأثر قوة حسابه الشرائية جراء ذلك، ويجب ألا يحتاج العميل إلى إجراء طلب استرداد، لأنه لا يوجد ما يتطلب أي استرداد، فالأموال تعد موجودة في الحساب. كذلك لم يذكر التنظيم ضرورة إلزام المؤسسة المالية بالإفصاح المستمر عن مقدار العمولة المستحقة للعميل، بل ذكرت المادة أنه يحق للمؤسسة المالية الحصول على تلك العوائد أو جزء منها، وهذا في رأيي غير كاف، فالمفروض أن تنشر المؤسسة المالية العائد لمصلحة العميل في جميع الأوقات، وهذه نقطة يستفاد منها في التنافس بين المؤسسات المالية.

ختاماً، لا شك أن هذه التنظيمات مفيدة جداً لتطوير السوق وتحريك السيولة النقدية في المؤسسات المالية، وبالإمكان توضيح تلك الملابسات التي أشرت إليها هنا من خلال تعاميم إلحاقيه، أي ما يخص انتفاء أي مدة زمنية لاسترداد أموال العميل وعدم السماح بسحب أموال العميل لهذا الغرض، إلا إن تم ذلك عن طريق خدمة أخرى خارج هذا التنظيم الجديد.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية