أرقام فيبوناتشي .. من الطبيعة إلى الأسواق المالية!

15/06/2025 6
د. فهد الحويماني

في عالم التحليل الفني للأسواق المالية، وأنا أكتب كمحلل فني معتمد، نسمع كثيراً عن "نسب" أو أرقام "فيبوناتشي"، وهي بشكل أساسي 24% و38% و62%، وغيرها. هذه النسب تستخدم لبناء توقعات المحلل الفني لمستويات الدعم والمقاومة أثناء تحرك الأسعار صعوداً أو هبوطاً، وكثيراً ما يطرح التساؤل التالي: هل لهذه النسب أي معنى أو دلالات خارج نطاق الرسوم البيانية؟ أم أنها مجرد أوهام وخزعبلات ليس لها أي أسس عقلانية ولا منطقية؟ أم أنها مجرد نظرية رياضية لا تعكس شيئاً في الواقع؟

الإجابة المدهشة هي أن نسب فيبوناتشي متجذرة في أعماق الطبيعة وسلوك الإنسان، وكثير من الظواهر الطبيعية تخضع لهذه النسب بشكل عجيب، حتى حين يركض شخص لمدة معينة ثم يتوقف للراحة، فإن الوقت الذي يحتاجه لالتقاط أنفاسه مرتبط بهذه النسب العجيبة! تنسب أرقام فيبوناتشي إلى عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي، الذي عاش في القرن الـ13 الميلادي، وهي سلسلة الأرقام (1، 1، 2، 3، 5، 8، 13...)، التي تتميز بأن كل رقم فيها عبارة عن مجموع الرقمين السابقين (مثلاً 3 هي مجموع 2+1، و13 هي مجموع 8+5)، ونجد هذه الأرقام في ترتيب أوراق الأشجار وأنماط زهور دوار الشمس وتكوين الأصداف البحرية، وحتى في نسب أجسام البشر وتقاسيم وجوههم، ومنها أتت ما تعرف بالنسبة الذهبية، وهي نسبة 62%، التي نجدها بقسمة أي رقم على الرقم الذي يليه (مثلاً 5 ÷ 8 حوالي 62% وهكذا)، واعتبرت هذه النسبة رمزاً للجمال والتوازن. 

قبل أن نربط ذلك بمجال حركة أسعار الأسهم، نأخذ مثالاً سريعاً لشخص يركض بكامل طاقته لمدة 100 ثانية، ثم يقرر التوقف ليلتقط أنفاسه ويستعيد توازنه، فكم من الوقت سيحتاج كي يشعر بأنه "مرتاح بما فيه الكفاية" ليستطيع الركض مجدداً؟ وفقاً لنسب فيبوناتشي، فإن الشخص بعد مضي 24 ثانية لن يكون مستعداً بما فيه الكفاية فلا يزال مرهقاً، وبعد 38 ثانية سيشعر بالتحسن أكثر، لكن لا يزال سيتردد في معاودة الركض، وبعد 50 ثانية (وهذه ليست من ضمن نسب فيبوناتشي ولكن لها دلالات أخرى) سيكون لدى الشخص توازن مقبول، فقد ارتاح لنصف الوقت، لكن حين يقضي 62 ثانية في الراحة، سيشعر (بقدرة قادر) أنه ارتاح كثيراً واستعاد طاقته، وغالباً سيعود للركض مجدداً. ما علاقة ذلك بأسعار الأسهم؟

الفكرة أنه طالما أن لهذه الأرقام الطبيعية وما ينتج عنها من نسب مئوية دلالات حقيقية في الطبيعة والحياة بشكل عام، فيمكننا تطبيق ذلك على حركة الأسهم، التي هي في نهاية المطاف نتاج تحركات جموع البشر وتصرفاتهم الطبيعية الفطرية، فالإنسان - دون إدراك منه - يتجاوب مع هذه النسب ويخضع لأرقامها، ولا يقصد بأن هذه العلاقة مطلقة وقاطعة في جميع الأوقات، بل إن طبيعة البشر تميل إليها.

لو أخذنا مثالاً لما حدث يوم الجمعة من سقوط كبير ومفاجئ في أسعار الأسهم نتيجة أخبار عن اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل، فبالإمكان رصد هذه النسب على حجم السقوط في الأسعار ومنها نستطيع قياس أماكن الارتداد، أو التعافي من النزول، حتى على المدى القصير جداً. فلو أن سعر مؤشر ما أو أحد الأسهم تراجع بمقدار 10 ريالات عن مستواه السابق، فإن نسب فيبوناتشي تقول (باختصار شديد) إن استعادة 2.4 ريال من النزول وارد وأمر طبيعي، وقد يواجه السهم بعض التحدي لاستعادة مزيد من الخسارة، وإن حدث ذلك فنقطة الاختبار القادمة ستكون حين يستعيد 38% (أي 3.8 ريال)، ومن ثم تأتي 5 ريالات كنسبة طبيعية أخرى تحدث كثيراً كذلك، ثم تأتي النسبة الذهبية عندما تتم استعادة 6.2 ريال، التي تشير إلى انتهاء المسار الهابط بشكل شبه مؤكد، بحيث يمكن الاعتماد على ذلك.

هذه النسب ليست مجرد خطوط على الشاشة، بل هي انعكاس لسلوك بشري عميق، متأصل في الإنسان بيولوجياً وطبيعياً ونفسياً، ولذا فإن فهم نسب فيبوناتشي لا يتطلب خبرة في الرياضيات، بل فقط إدراك لما يحدث من حوالينا وإدراك أن التوازن هو جوهر الأشياء، وأخيراً هناك جانب مهم لهذه "المعتقدات" في أنها تخضع للظاهرة النفسية "النبوءة التي تحقق نفسها"، حيث إن اعتقاد كثير من الناس في أمر ما يساعد على تحقق هذا الأمر، وبالتالي من المهم إدراك ما يؤمن به كثير من المتداولين، لأن الأسعار ستتحرك وفقاً لتصرفاتهم الناتجة في الأساس عن معتقداتهم.

 

 

نقلا عن الاقتصادية