في عصر يتسارع فيه التطور التقني بوتيرة غير مسبوقة، لم تعد التقارير المالية مجرد وثائق ورقية تُرفق في ملفات "بي دي إف"، بل تحولت إلى بيانات رقمية منظمة قابلة للمعالجة الآلية والتحليل الفوري. هذا التحول، الذي تقوده هيئات تنظيمية في عديد من الدول، وعلى رأسها هيئة السوق المالية، يمثل نقلة نوعية في طريقة الإفصاح، والتحليل، واتخاذ القرار الاستثماري، لذا فالشركات المدرجة، وغير المدرجة فيما يخص منصة قوائم، تواجه تحدياً جديداً يتمثل في الانتقال من التقارير المالية التقليدية إلى تقارير رقمية بصيغة XBRL الدولية، التي لها فوائد كبيرة للجهات الرقابية والمستثمرين وكافة المهتمين، حيث يمكن من خلالها الاطلاع الفوري والمقارنة الدقيقة بين القوائم المالية. وهذه ليست مجرد خطوة تقنية بحتة، بل إن آثارها تمتد إلى صلب الحوكمة والشفافية وتقييم الأداء.
فمع تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في الأسواق المالية، بات من الضروري أن تُعد الشركات المدرجة تقاريرها المالية وما لديها من إفصاحات مصاحبة بصيغ معيارية تتيح للأنظمة والخوارزميات قراءتها وتحليلها دون تدخل بشري. ولذا جاءت لغة التقارير المالية الجديدة كمعيار عالمي لهذا الغرض، على غرار ما أحدثته لغة XML سابقاً في توحيد المحتوى الرقمي على الإنترنت.
فإلى وقت قريب، لم يكن هناك خيار في نشر القوائم المالية عدا بتلك الصيغ التي تجعل المقارنة عملية مرهقة تستلزم قراءة متعبة وجهودا يدوية وتحليلاً فردياً، أما اليوم، وفي حال تم تطبيق هذه الآلية بشكل صحيح، فسيصبح بإمكان المستثمر أو المحلل المالي الوصول إلى معلومات دقيقة ومهيكلة بطرق قياسية، مثل إجمالي الأصول أو نسبة القروض إلى الودائع أو رأس المال من الشريحة الأولى، أو الذمم الدائنة والمدينة، وغيرها من بنود وعوامل مهمة، ومن ثم مقارنتها بين عدة شركات خلال ثوان قليلة.
ما كنا نحلم به سابقاً أصبح الآن حقيقة إلى حد كبير، مع بعض ما لدي من تحفظات حول طرق تقديم هذه التقنية من قبل الجهات المعنية وإتاحتها لكافة المستثمرين، فعلى سبيل المثال، من المفترض أن يستطيع أي مستثمر المقارنة بين شركات الاتصالات المحلية وشركات الاتصالات العالمية من حيث هوامش الربحية، أو الإنفاق الرأسمالي، أو العائد على حقوق المساهمين، وذلك باستخدام أدوات تحليل تعتمد قدرتها في تحقيق ذلك على لغة التقارير المالية الجديدة، التي سيجدها المستثمر جنباً إلى جنب مع بقية التقارير المالية المنشورة على موقع السوق المالية، لكن على الرغم من هذا التحول الرقمي الجبار، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين الإمكانات التقنية المتاحة وبين قدرة المستثمر الفرد في الوصول إليها.
فليس هناك من أدوات مجانية للمستثمر العادي للاستفادة من تلك البيانات، فيجد نفسه مرة أخرى مضطراً إلى التصارع مع ملفات "بي دي إف" أو "إكسل" في بعض الحالات، أو أن عليه دفع مبالغ كبيرة من أجل الحصول على ذلك.
هنا أؤكد على أنه من حق تلك الجهات التجارية تقديم أدوات متقدمة ومفيدة وبتكلفة معينة، لكن عليها إدراك أن الباحثين عن هذه المعلومات ليسوا دائماً من كبار المحللين التابعين لمؤسسات مالية كبيرة أو بنوك.
ومن جهة أخرى، على الجهات الرسمية، "تداول" وهيئة السوق المالية إتاحة بعض من هذه الأدوات مجاناً، حيث نجد أن واجهة المستخدم المتاحة لا تزال تقنية الطابع وتتطلب دراية بطرق قراءة المفاهيم المحاسبية والرموز المعيارية داخل الملفات. بمعنى آخر: أليس من حق المستثمر الفرد أن يحظى بواجهة مرئية سهلة وسلسة لتحليل ومقارنة البيانات، دون الحاجة إلى اشتراك مدفوع أو أدوات معقدة؟ فإذا كانت الجهات التنظيمية قد نجحت في فرض المعايير الحديثة على الشركات المدرجة، أليست الخطوة التالية أن يتم تمكين المستثمرين من الاستفادة الفعلية من هذه المعايير؟
التحول الرقمي في التقارير المالية ليس مجرد تغيير في الصيغة، بل هو إعادة صياغة كاملة لعلاقة السوق بالمعلومة، وتعزيز للحوكمة ورفع لمستوى الوضوح والشفافية، ومع نضج البنية التقنية، فقد يكون الوقت مناسباً الآن للانتقال من مرحلة الامتثال إلى مرحلة التمكين.
نقلا عن الاقتصادية
التحول الرقمي للتقارير المالية لن يكتمل إلا عندما يتمكن المستثمر الصغير من الاستفادة منه كما يفعل صندوق الاستثمار الكبير. هذا يتطلب/// أدوات مجانية من الجهات الرقابية///تبسيط الواجهات للمستخدمين غير التقنيين///شراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول مفتوحة المصدر. إذا نجحت الأسواق الناشئة مثل السعودية في تطبيق هذه الحلول، فستصبح نموذجًا عالميًا في الشفافية المالية الرقمية.
شكرا يا دكتور فهد على هذا الطرح الجميل … ولكن هل تعتقد بأن لدى ( المستثمر ) لدينا المعرفة والقدرة على تحليل البيانات التي أمامها أو هل هناك مستثمر يحضر للشركات المساهمة ويطالب في حقوقه ويعرفها .. قطعا لا وإن وجد لا تتجاوز نسبتهم ١٪ … ٩٩٪ من المتداولين لدينا تستطيع كشف ثقافتهم من خلال الاستماع لبثوث المساحات أو برنامج السوشيل ميديا الأخرى أو حتى بعض المنتديات وتجد بأن أغلبهم من قوم ( دووووس و ادعسس وهجووووم وهرووووب وعفشك والجبل ) وكذلك من خلال الاطلاع على نسبة حضور الجمعيات المنعقدة والتي بغشها جمعيات غير عادية ولا تعقد لا في الاجتماع الأول ولا الاجتماع الثاني بسبب عدم اكتمال الحضور. …. وفقك الله يادكتور على الطرح المميز والرائع