منذ تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية، بدأ أكبر إصلاح للهيكل الإداري شهدته السعودية تمهيدا لإطلاق رؤيته الشاملة رؤية السعودية 2030، وقد ارتكزت الإصلاحات الأولى على حل 12 جهازا ومجلسا من المجالس العليا في حينه، مثل مجلس التعليم العالي واللجنة العليا للتنظيم الإداري، ومجلس الخدمة المدنية، والمجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، والمجلس الاقتصادي الأعلى، ومجلس الأمن الوطني، وغيرها من المجالس التي كانت تعبر عن نموذج بيروقراطي لم يعد يتناسب مع التحديات التي تواجهها السعودية والتقلبات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المنطقة والعالم، وقد تم إنشاء مجلسين هما مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والشؤون السياسية والأمنية، ثم تبع ذلك تعيين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيسا لهذين المجلسين توحيدا للقرار وتعزيزا للمرونة الذي عزز هذه المفاهيم بأطر الحوكمة والتشريعات الداعمة ذات لصلة.
وفي المسار ذاته عملت رؤية السعودية 2030 بقيادة ولي العهد على تعزيز مفهوم المرونة في العمل الحكومي، فتم اطلاق برنامج التحول الوطني بما تضمنه من أعادة هيكلة الوزارات من أجل تحرير كثير جدا من الخدمات الحكومية من إطار الوزارات وذلك بإنشاء الهيئات والمراكز ذات القرار المستقل بمجالس إدارات منحت صلاحيات واسعة لتتخذ قراراتها دون الرجوع لمجلس الوزراء، وتم دعمها بأنظمة وتشريعات أسهمت في حراك اقتصادي ونمو في الخدمات لم يسبق له مثيل، وتعزيزا لمبدأ المرونة والحوكمة والمساءلة الحقيقية تم تعزيز ذلك بأنظمة الرقابة ومكافحة الفساد بسقف لم يسبق له مثيل في التاريخ السعودية بل في المنطقة ككل حتى أصبحت السعودية مضربا للمثل في هذه القرارات التي أسهمت بوضوح جدا في تخطي الاقتصاد الوطني لعقبات كبيرة من بينها تقلبات أسعار النفط وانقطاع الأعمال نتيجة الأزمة الصحية وما تلاها من تأثر واضح في سلاسل الإمداد.
كما استطاعت السعودية تجاوز أزمة ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، وفي مقابل ذلك نجاحات واسعة النطاق في خفض معدلات البطالة في فترة قياسية وبمعدلات قياسية أيضا، كما تم تحقيق قفزات في معدلات عمل المرأة وإسهاماتها، ومثل ذلك في معدلات الإسكان، والسياحة والترفيه وتقدمت الجامعات السعودية في المراتب العالمية، كل ذلك لم يكن ليحدث لولا فضل الله ثم براعة التخطيط وحكمة التنظيم وتطبيق مفهوم المرونة بأفضل الممكنات والرقابة والمحاسبة.
وفي سياق المحافظة على مرونة الحكومة والقرار الاستراتيجي فيها، وتحقيقا لمبدأ الاستدامة واستمرارية الأعمال، فقد صدر الأمر الملكي رقم (أ/61) في 1/ 3/ 1444هـ، الذي نص على أن يكون الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيسا لمجلس الوزراء، استثناءً من حكم المادة (السادسة والخمسين) من النظام الأساسي للحكم، ومن الأحكام ذوات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء، وأن تكون جلسات مجلس الوزراء التي يحضرها الملك برئاسته، وفي هذا دعم كبير للعمل الحكومي المرن، فعند تمتع الملك بالإجازة السنوية، فإن العمل الحكومي يستطيع الاستمرار دون تأخير لأي قرار يتطلب توقيع رئيس مجلس الوزراء، حيث منح الأمير محمد بن سلمان كل الصلاحيات بتعيينه رئيسا لمجلس الوزراء، وهي الصلاحيات التي كانت مقيدة في شخصية الملك فقط،.
وعند تمتع الملك سلمان بالإجازة السنوية أو ابتعاده عند مقر الحكومة لظروف مثل ما حدث في أزمة كورونا فإن الأعمال قد تستغرق وقتا أطول مما ينبغي، ولهذا فإن سياسية الملك سلمان في استدامة الأعمال ومرونتها قد تخطت هذه العقبات، وقد أسهمت في تسريع الأعمال بشأن الفوز باستضافة معرض إكسبو 2030، كما أسهمت في نجاح ملف السعودية في استضافة كأس العالم 2034، في هذا السياق الواضح وفي ظل مفاهيم الحوكمة والمرونة واستمرارية الأعمال واستدامتها فإن صدور الأمر الملكي رقم (أ/45) في 4/ 2/ 1446هـ الذي جاء بناء على ما عرضه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء يعد واضحا ومفهوما.
وقد نص الأمر على أن يكون انعقاد الاجتماع المقرر لمجلس الوزراء إذا لم يحضره الملك ولم يحضره رئيس المجلس أو أي من نوابه برئاسة الأكبر سنا من أعضاء المجلس الحاضرين من أبناء أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود وإن نزلوا، ويتم توقيع القرارات التي تصدر في ذلك الاجتماع من رئيس المجلس، فنجد النهج نفسه و الفلسفة الإدارية السلمانية واضحة جدا.
فلا تتأثر استمرارية أعمال مجلس الوزراء وبالتالي الحكومة بعدم حضور الملك أو رئيس مجلس الوزراء لأي سبب كان، ومن مثل ذلك أن تتفق الإجازة السنوية للملك مع زيارة رسمية مقررة لرئيس مجلس الوزراء لأى دولة في العالم، ففي مثل هذه الحالات التي تتكرر كثيرا، فإن القرارات الحكومية واستمراريتها لن تتأثر، كما حافظ القرار على روح الالتزام والامتثال التشريعي من خلال استمرار صدور القرارات بتوقيع رئيس مجلس الوزراء، كل ذلك مما يحقق أعلى معايير الحوكمة والالتزام كما يحقق استمرارية الأعمال واستدامتها، خاصة أن الاستحقاقات القادمة كبيرة ذات صلة بالمعارض العالمية التي ستستضيفها السعودية والأحداث العالمية ذات صلة والمؤتمرات والتحولات الاقتصادية القادمة ذات البعدين المحلي والإقليمي.
نقلا عن الاقتصادية
سلمت دكتور عباس