إعادة التصدير هي عملية بيع صادرات البضائع الأجنبية للخارج بنفس الحالة التي تم استيرادها بها سابقًا، ويجب إدراجها ضمن صادرات الدولة، وهو نشاط لا يقتصر على الدول النامية الواقعة عند تقاطع الطرق البحرية، لكن أيضًا من قبل الدول الكبيرة المتقدمة اقتصاديًا، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وإيطاليا، وفي السنوات الأخيرة، خاصة بعد جائحة كورونا، بدأ العالم يهتم كثيرا بدور مراكز إعادة التصدير مثل مراكز الشحن والتوزيع التقليدية والعقد الإقليمية في مراكز سلسلة التوريد، فهذا القطاع يوجد قيمة في السلع من خلال توفير الخدمات لتسهيل أنشطة سلسلة التوريد. في هذا الشأن بالذات أشير إلى تقرير نشرته "الاقتصادية" قبل أيام عن نمو الصادرات غير النفطية السعودية خلال مايو الماضي 8.2%، لتبلغ 28.9 مليار ريال، وهو أعلى مستوى سجلته الصادرات غير النفطية في 23 شهرا، وهي مدعومة بالزيادة الكبيرة في عمليات إعادة التصدير التي بلغت 10.2 مليار ريال كأعلى رقم شهري. هكذا يظهر دور إعادة التصدير في الاقتصاد السعودي، وهو يلعب دورا مهما للغاية في نمو الإيرادات غير النفطية من خلال نمو الإيرادات الجمركية، ولا غرابة في ذلك الدور، فقطاع إعادة التصدير يمثل ما يقرب من ربع الصادرات العالمية وفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، وتعد إعادة التصدير أكثر شيوعًا في قطاع تجارة الجملة، حيث تمثل تجارة الجملة أكثر من نصف التكلفة المضافة لإعادة التصدير في هولندا والجزء الأكبر من أنشطة إعادة التصدير تقوم به شركات صغيرة، وفي كثير من الحالات، يكون لدى هذه الشركات موظف واحد فقط.
تعد تكلفة النقل والخدمات اللوجستية أهم عامل في نجاح قطاع إعادة التصدير، فنمو هذا القطاع يسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي من خلال التأثير المضاعف في قطاعات أخرى من الاقتصاد وتحديداً الخدمات اللوجستية مثل النقل والتخزين، ولهذا فإن هناك ارتباطا واضحا بين القطاع اللوجستي وبين نشاط إعادة التصدير، وهذا يفسر لنا أهمية الجهود التي تبذلها الدولة في جانب القطاع اللوجستي بكامل مكوناته، ومن ذلك العمل الجاري بقوة على المناطق الاقتصادية الخاصة، وقد أكدت رؤية السعودية أهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي للسعودية، إضافة إلى أن ثلث صادرات العالم من النفط تمر عبر الخليج العربي في حين إن 13% من تجارة العالم تمر عبر البحر الأحمر، ويمكن للسعودية بشكل طبيعي ربط أسواق يعيش فيها أكثر من 6 مليارات نسمة، من هنا فإن النمو الذي شهدته الصادرات غير النفطية مدعومة بإعادة التصدير هو نتيجة طبيعية لهذه الجهود الكبيرة في دعم القطاع اللوجستي في السعودية، ومع ذلك لا يزال ينقصنا الكثير على مسار قطاع إعادة التصدير.
لعل أهم القضايا التي تواجهنا اليوم ويجب الاهتمام بها هي توزيع الآثار الاقتصادية لأنشطة إعادة التصدير التي تقوم بها الشركات بين الاقتصاد الوطني، فنحن لا نزال نعرف القليل عن تلك البلاد التي تتم عمليات إعادة التصدير إليها، كما لا توجد دراسات حول تأثير أنشطة شركات إعادة التصدير في قطاعي البنوك والتأمين أو قطاع تكنولوجيا المعلومات، بل إن البيانات عن الشركات العاملة في قطاع إعادة التصدير تكاد تكون معدومة، وإن كان هناك بعض البيانات التي تتوافر حول السلع الاقتصادية الأكثر تأثرا بهذا القطاع فهي شحيحة على كل حال، فمن المهم إذن زيادة المعرفة عن هيكل الشركات التي تعمل في القطاع، وملاكها عموما، وعن حوكمتها وآليات المشاركة المجتمعية فيها، لذا فإن النظر إلى هذه الشركات يجب أن يدرج ضمن مشروع تطوير القطاع اللوجستي عموما، من ذلك تشجيع هذه الشركات للإدراج في السوق المالية، وهو الأمر الذي سينعكس على هذا القطاع بكثير من الإيجابيات، ومنها الوصول إلى أسواق المال و التمويل الأرخص، حتى يصبح هذا القطاع أحد القطاعات الرئيسة في الاقتصاد السعودي.
نقلا عن الاقتصادية