أشعر دائماً بالسعادة عندما أستيقظ مبكراً صباح الأيام الباردة في الرياض، وأجلس مع أصدقائي القدامى في مقهانا المفضل في مجمع «البوابة الاقتصادية»، حيث نتجاذب أطراف الحديث حول الأخبار الراهنة، وأداء الشركات الكبرى وبعض العلامات التجارية. نتفق ونختلف كثيراً، فالاختلاف شيء طبيعي لدى البشر، ويتجلَّى خاصة في طريقة التعبير عن العواطف والآراء والمشاعر، قال أحد الأصدقاء، بسخرية وهو يمسك جواله الذكي ليغرد عن استيائه على منصة «إكس»: «هل تصدق أني أُفضّل دفع أموال إضافية لأشتري من (أمازون) بدلاً من (تيمو)؛ لأنني عندما اشتريت من الأخير لأول مرة، بدأت تصلني رسائل مزعجة عبر البريد الإلكتروني والواتساب يومياً تقريباً. الرسائل تحتوي على رموز تعبيرية سخيفة»، قرأنا جميعاً تغريدته المكتوبة بالعامية، والممزوجة بالسخرية والفكاهة والغضب في آن واحد. اليوم، نستخدم جميعنا وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مختلفة عبر الإنترنت لتبادل الآراء، ولمناقشة مزايا وعيوب المنتجات، واختيار المطاعم أثناء السفر، وحتى للتنبؤ بأداء الأسهم في البورصات. بل إننا نرى أيضاً آراء في تغريدات لتقييم الخدمات التي تقدمها المستشفيات والمدارس الخاصة.
ويحصل المستثمرون، والرؤساء التنفيذيون، ومديرو صناديق التحوط، والتنفيذيون في التسويق، وشركات الاستشارات، ومحللو خدمة العملاء، على بيانات مهمة بناءً على ما يناقشه الناس ويعبّرون عنه من مشاعر إيجابية أو سلبية تحديداً عبر الإنترنت. يلجأون إلى تحليل المشاعر عن طريق سبر الآراء، أو ما يعرف في الإنجليزية بـ(Opinion Mining)، والذي يستند إلى علم اللغويات، وعلم النفس، وعلوم البيانات، والذكاء الاصطناعي. بعبارة أخرى، تغريدة صديقي هي بيانات لغوية تحتوي على مشاعر وعواطف شخصية، يتم تحليلها بواسطة خوارزميات تعلم الآلة والتعلم العميق المتقدمة؛ حتى يتمكن صانعو القرار من اتخاذ خطوات جيدة لتحقيق أداء مالي متفوق في مجالهم، ولا تستخدم الشركات والعلامات التجارية تحليل المشاعر فحسب، بل تستخدم أيضاً المؤسسات الإعلامية برمجيات، مثل (Chartbeat - Google Analytics - Social Mention) للحصول على رؤى مهمة حول مستخدميها، واهتماماتهم، وتفاعلهم، وعدد الزائرين للمواقع الإلكترونية، فضلاً عن تصنيف القرّاء والمشاهدين استناداً إلى موقعهم الجغرافي وجنسهم. ببساطة، التحليل المدعوم بالذكاء الاصطناعي يقوده محللون بشريون يشرفون على عملية جمع الإشارات والتعليقات من الناس في جميع أنحاء العالم في ملف معلوماتي واحد، ليتمكن صانعو القرار من اتخاذ الإجراءات المناسبة؛ لذا فإن الأمر يتعلق حرفياً بتعدين بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، وجميع أنواع النصوص والمرئيات ذات الصلة للوصول إلى محصلة عامة لتقييم المحتوى سلباً أو إيجاباً بنسبة مئوية ودقة متناهية تقترب أحياناً من 90 في المائة، وهو محتوى عفوي على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يخضع للتدقيق أو التحرير المهني الذي تمارسه وسائل الإعلام المحترفة.
ولكنّ المدهش هو كيفية استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص في عملية التنبؤ بالأسهم وأداء صناديق التحوط، إلى جانب التحليلين الأساسي والفني المتبعين لرصد بيئة أسواق المال المتقلبة التي تشهد دوماً صعوداً وهبوطاً للأسهم، إذ تتأثر البورصات بالأخبار الجارية، وما يتداوله الناس عبر وسائل التواصل بطريقة آنية، وفي دراسة لجامعة إنديانا بلومنغتون الأميركية، فقد اقتبس كثير من الأبحاث الأكاديمية، ودورات التدريب المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلص الباحثون إلى أن تدقيق عدد كبير من التغريدات في فترة محددة أدى إلى التنبؤ بحركة مؤشر داو جونز الصناعي في اليوم التالي بدقة بلغت 87.6 في المائة. وفي السياق ذاته، يمكن فهم الأمر بسرد مثال آخر لشركة كبيرة يملكها شخص حصل على لقب أغنى رجل في العالم مرات عدة، واحتل بنهاية عام 2023 المرتبة الثالثة بثروة صافية بلغت 195 مليار دولار أميركي.
وأزعم أن إيلون ماسك مثال جيد لشرح كيف يمكن للتعبير عن المشاعر والآراء، وبالطبع الشائعات والنكات، أن تكون نعمة أو نقمة للمستثمرين في البورصات العالمية. فتغريدات ماسك أثرت بشكل كبير في أداء سهم «تسلا»، الشركة المتخصصة في إنتاج السيارات الكهربائية. عندما طرحت «تسلا» أسهمها للاكتتاب العام في 2010، أُدرج السهم في البداية بسعر 17 دولاراً أميركياً. ووفقاً للبيانات الحالية، وفي وقت كتابة هذا المقال في 31 مايو (أيار) 2024، في تمام الساعة 14:40 بتوقيت الرياض، سجل سهم «تسلا» 178.79 دولار على مؤشرات عالمية من بينها «ناسداك 100»، و«إس آند بي 500». مع العلم أن سهم الشركة شهد هبوطاً وصعوداً على مر السنين، وبلغ ذات مرة أكثر من 700 دولار أميركي في بعض الأوقات.
وفي الأول من أبريل (نيسان) 2018، غرّد ماسك بشكل مفاجئ وصادم، معلناً أنّ «تسلا» أفلست. لنعرف لاحقاً أن التغريدة كانت مجرد مزحة بمناسبة يوم كذبة أبريل. وعلى الفور، حلّل مستثمرون ومديرو صناديق تحوط البيانات والمشاعر على «إكس»، «تويتر» سابقاً، في ردود الفعل التي انهمرت من كل حدب وصوب من عشرات الملايين من المتابعين لماسك، وكانت النتيجة كارثية، إذ انخفض سعر الافتتاح لسهم الشركة بشكل حاد بنسبة 7 في المائة. لكنه تعافى وبدأ يتحسن بشكل كبير في سعر الإغلاق وفي اليومين التاليين، إذ ارتفع بأكثر من 13 في المائة بعد أن طمأن ماسك المستثمرين والمساهمين ومديري صناديق التحوط بأنه كان يمزح فقط!، ماذا يعني هذا للمستثمرين؟ إنه مخيف في المجمل، لأنه يمكن أن يثير هلعاً وبيعاً جماعياً للأسهم. الخوف هو العاطفة الأهم التي تدفع الأسهم للهبوط عبر مختلف الصناعات من أسواق النفط إلى شركات الأدوية. لذا، فإن تحليل المشاعر مهم للغاية في المساعدة على تحديد الإجراءات الصحيحة؛ إذ تحرك المشاعر والعواطف دوماً الناس للتفاعل مع الأخبار وتعليقات وآراء المشاهير، سواء عن خوف، أو جهل، أو أمل.
نقلا عن الشرق الأوسط
يقول ﺍﻟﻤﺜﻞ ﺍﻟﻬﻨﺪﻱ 🤓 يا اسلام زوين " ﺁﻧﺎﻫﻲ ﻧﻬﻮﻫﺎﺍ ﻫﻮﻫﺎ ﻛﻜﻬﻮﻫﺎ " الي فينا مكفينا😁😁😁😁