يستخدم بعض الناس تعبيرات حديثة الانتشار، ويقصدون بها معان ليست هي المعاني المقصودة لدى أهل الاختصاص. هذا الكلام ينطبق على عالم الاقتصاد والمال. تنتشر تعبيرات مقصود بها معان ليست هي لب المعاني المقصودة لدى أهل الاختصاص الاقتصادي، وغيرهم من المهتمين بالشأن الاقتصادي. ومن ثم يقع اللبس والإشكال. الحديث هنا عن التضخم ومكافحته، حدوث العكس واقع، وأقصد استخدام كلمات يقصد بها معان حديثة مصدرها أصلا لغة غير عربية، ولكن اختيرت لها ترجمة لا تتفق مع المعنى اللغوي العربي. وتبعا لا تعطي الكلمة المختارة حديثا ترجمة لا تتفق كما ينبغي بالمعنى المتبادر إلى فهم الكلمة عند الفقهاء وعلماء اللغة عبر قرون.
وهنا أمثلة:
الأول تحدث مؤلفون وكتاب عما يسمونه إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علاج التضخم حين رغب في الإنفاق، كقوله عليه الصلاة والسلام: (ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يأتي علي ثالث يوم وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين علي). ثم استطرد أولئك الكتاب قائلين أن التوسع في الإنفاق يؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي، وزيادة الإنتاج القومي، ولا يصاحبه أي ارتفاع في الأسعار، وهذا ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، الكلام السابق غير دقيق. وزيادة في التوضيح، وقع اقتصاد الغرب في كساد كبير في ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي. وتجلى هذا الكساد بصورة انخفاض عظيم في الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، وارتفاع معدل العطالة إلى أرقام عالية غير مسبوقة، وإفلاس أو إغلاق نسبة كبيرة جدا من المنشآت التجارية، وانخفضت الأجور والأسعار إلى حد الربع تقريبا.
للخروج من حلقة الكساد المفرغة، دعا وقتها متخصصون وعلى رأسهم عالم الاقتصاد الشهير كينز الحكومات إلى المبادرة بزيادة الإنفاق الحكومي، بغرض إيجاد طلب فعال يعالج مرض الكساد. وهذا التوسع الإنفاقي لا علاقة له بما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء تركيز كينزي على الحكومات لأنه لا سبيل لاقتناع أو حمل الناس على زيادة الانفاق الاستثماري أو الاستهلاكي وقت الكساد. من جهة أخرى، ما قاله وفعله الرسول صلى الله عليه وسلم دليل على زهده صلى الله عليه وسلم بالدنيا وزخرفها، وقوة توكله على الله سبحانه، وهو يفعله سواء كان هناك انكماش أو لا.
ومثال آخر فيما كتب عن علاج التضخم من منظور فقهي. ويقصدون بذلك طرح الحلول والمخارج الفقهية لمعالجة الالتزامات في حالات التضخم، ومن أوضح الأمثلة مسألة الوفاء بالديون، وإمكان تعويض المقرض جراء انخفاض القوة الشرائية للعملة انخفاضا شديدا، أما عند الاقتصاديين، فالمقصود بعلاج التضخم، الذي يعبر عنه كذلك بوسائل مكافحته، وكيفية خفض نسبته في الاقتصاد إلى حدود دنيا، فهي من قبيل الرأي، ولكنه رأي مهني. وأما علاج آثار التضخم فيشترك فيه فئات كثيرة من المجتمع من اقتصاديين وغير اقتصاديين. والمقصود عادة سبل تحسين مستوى المعيشة للناس جراء تضررها من ارتفاع الأسعار.
ولذا نعرف أن استخدام عبارات من قبيل "علاج آثار التضخم" يسبب لبسا في الفهم بين الفقهاء والاقتصاديين. ربما كان مصدر الإشكال أن بعضا ظنوا أن الأحكام الشرعية (الطلبية) يمكن أن تنسحب على مفاهيم ونظريات علم الاقتصاد في التضخم، وتبعا لذلك جرت محاولات عقد مقارنات بين أحكام شرعية طبيعتها طلبية (أمر ونهي ونحوهما)، وبين نظريات اقتصادية طبيعتها خبرية تفسيرية، ما تسبب في لبس وسوء فهم في تناول الحلول المطروحة، مطلوب حسن التصور للمعاني قبل الدخول في النقاشات. ولذا حبذا قيام تعاون قوي بين أهل اختصاصات مختلفة يمرون بمسميات متشابهة لتحقيق تصور أحسن عن المسميات.
نقلا عن الاقتصادية