رغم الإصلاحات الواسعة والكبيرة التي شهدها الاقتصاد الوطني منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، والنجاحات القياسية لنتائجها التي انعكست على مختلف نشاطات الاقتصاد، ومن تلك النشاطات السوق العقارية المحلية، إلا أن منطقة رمادية في مجال الوساطة العقارية لا زالت مستعصية على الحل! فعلى الرغم من إقرار السعودة الكاملة لذلك المجال، إلا أن القوة المؤثرة لا زالت للعمالة الوافدة على حساب الآلاف من المواطنين والمواطنات العاملين في الوساطة العقارية، وهو الأمر الذي تجاوزت آثاره السلبية حدودا كثيرة، تخطت الاستئثار بحصة الأسد من عوائد النشاط، وذهابها إلى جنسيات بعينها من العمالة الوافدة، ما زالت حتى تاريخه تمتلك النفوذ والقوة والتأثير، مقابل النزر اليسير لمن لا يزال بالكاد على قدميه من المواطنين والمواطنات في النشاط، حيث امتد استمرار واتساع تلك المنطقة الرمادية إلى تسببها في افتعال كثير من المبالغات السعرية والتضليل، سواء على مستوى البيع والشراء، أو على مستوى الإيجارات، وانعكس أثره السلبي على كل الأطراف الأخرى ذات العلاقة، في مقدمتها مجتمع المستهلكين من المواطنين والمقيمين على حد سواء، وامتد أيضا إلى المستثمرين والمطورين والمنشآت بأحجامها كافة من المتعاملين مع السوق العقارية.
يخضع النشاط الآن بالكامل لمسؤولية الهيئة العامة للعقار، وقد قطعت الهيئة أشواطا واسعة على طريق تطوير وتنظيم النشاط، إلا أن جانب العمل فيه يتقاطع مع مهام ومسؤوليات وزارة الموارد البشرية، التي تتولى الإشراف الكامل على سوق العمل المحلية، ويتداخل أخيرا مع تلك الجهتين البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، الذي يتولى محاربة كل أشكال التستر في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، ومن تلك النشاطات بالتأكيد نشاط الوساطة العقارية. أمام هذه المسؤوليات الواسعة يدهش المرء من استمرار وجود تلك المنطقة الرمادية في النشاط، التي سمحت للعمالة الوافدة باستمرار عملها ونفوذها على النشاط تحت الظل، وما زالت أصواتهم ورسائلهم استقبالا وردا، هي من تتولى زمام إدارة وتنفيذ العروض والطلبات على الأراضي والعقارات شراء أو استئجارا، وهو الأمر المحير فعلا استمرار حدوثه في ظل الزخم الأكبر للإصلاحات والتطوير غير المسبوق الذي شهده ويشهده الاقتصاد الوطني، إن ثبوت وجود واستمرار تلك العمالة الوافدة في النشاط على الرغم من قرار التوطين الكامل، يستدعي اندفاعا أكبر من وزارة الموارد البشرية للقضاء عليه، والأمر كذلك بالنسبة للهيئة العامة للعقار أمام تسبب تلك العمالة في وجود ممارسات مضللة في السوق العقارية، وبنفس القدر على البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري جراء تحرك تلك العمالة تحت ظل ضعاف النفوس من المرخصين بممارسة نشاط الوساطة.
تقتضي مواجهة هذا التحدي القائم، والحد من آثاره الضارة اقتصاديا ومجتمعيا، والحالة الفريدة من تمنعه على هذا الكم الهائل من الأنظمة والقرارات ومسؤوليات الأجهزة التنفيذية، أؤكد أنها تقتضي منهجية أكثر فاعلية وحزما، وأن يتركز الإشراف الكامل رقابة وتنفيذا على هذه المعضلة تحديدا في الهيئة العامة للعقار، وتتولى الجهتين الأخرى الدعم والمساندة، فتبدأ الهيئة العامة للعقار بالمراقبة والتدقيق على أعلى مستوياتهما في هذا الشأن تحديدا، وأن توفر كل وسائل استقبال البلاغات على أي مخالفة مهما كان حجمها، ولمنح مزيد من القوة لنفاذ الأنظمة والقرارات المتعلقة بالتوطين ومكافحة التستر، سيكون مناسبا جدا خلال المرحلة الراهنة رفع حدود الغرامات والجزاءات، والتشهير بالمخالفين المتورطين من مواطنين ومقيمين، ما سيدفع بدرجة ملموسة وحقيقية إلى تنقية أكبر للنشاط من هذه الممارسات المخالفة، فهل نرى إنجازا قريبا للقضاء على تلك المنطقة الرمادية؟ أم أنها ستبقى وقد تتوسع وتتسع معها انعكاساتها السلبية على الاقتصاد والمجتمع؟!
نقلا عن الاقتصادية